الرأي

المفاهيم الأمريكية لغة تختلف

شاهر النهاري
من يسكن أمريكا، وسط أوساط بعيدة مختلفة، وعقليات ناعمة مرفهة، ومفاهيم هشة، لن يستطيع تفهم ما يحدث في عنت دول الشرق الأوسط من تعقيدات، وسيعجز عن تفهم تراتبية ومعاني الأحداث المتأصلة الجسام، لثانوية أفكاره، وعيشه في دنيا هوليودية، تحركها قنوات إعلام طاغية، تتحارب فيما بينها على أتفه الأمور، وتثني رقابها مطرقة، حينما ترى عظائم الأمور تحدث في عمق شرق الكوارث، كونها مؤدلجة بثقافات بعيدة عن الحقيقة، ونظرات خيلاء وانتقاص لشعوب شرقية، تصنفها كمخلوقات أقل عقولا وقيمة، وأكثر شرورا، لا تستحق الترقي عن مكانة وسط بين الإنسان وما دونه.الأمريكي يقيس الأشياء بمقاييس مرفهة لم ترزح تحت ظلم، ولا هشاشة، ولم تعرف نقص خدمات، ولا سوء بنية تحتية، فيعجز عن تفهم مشاكل أهل الشرق الأوسط، من لا يمتون لعوالمه البراقة بنقطة تشابه.الأمريكي بعد سطوة هيروشيما ونجازاكي، شعر أنه «سوبرمان، وبات ومن»، وأنه مسؤول من على البعد عما يجري في حضائر من يحاولون كسر شبوك واقعهم، ومن يهيمون وسط معتقداتهم، وخرافاتهم، وإرهابهم وحروبهم وثوراتهم، وبكل عجب ينكر على المحتل منهم، أن يقارن نفسه بمن يحتله، أو أن يتجرأ وينتفض ويقاوم لتحرير نفسه وأرضه، ففي منظورهم المتجبر، أن الاحتلال إنسانية، وترقية، وتعليم، ونشر ثقافة وديمقراطية، وإعادة بناء ما هدم، بأثمان يمتصها من عيون الشعوب البائسة الخانعة بهمومها، الفاقدة للأمان، والمكان، والعدالة والسلام.الأمريكي يرى وجوده نصف إله، وبكبرياء يجزم أن عقول أهل الشرق قاصرة لا تستطيع فك وترجمة والتعايش مع أفكاره الخيرة، التي يفرضها، ويصر بأنها حياة لذوي الألباب، فيضغط ويسلح الضد، ويحتل ويقتل ويحرق، ويساعد الظالم على المظلوم، ويدعم الإرهاب متى ما صب في مصلحة أفكاره القادمة من كبرياء الوجود وشناعة التخيل.الأمريكي سواء كان فردا من الشعب، أو من أبواق إعلام الدولة، أو حتى من سكن البيت الأبيض، فهو نسخة لامعة مكررة أنيقة، من نفس أبطال الحلم الأمريكي، والذي كتبت صفحاته بالإثارة والقسوة، والتعجب، وإصرار على أنه هو الصادق الأمين، الكريم، الواهب للحياة والكرامة لمن يشاء، حتى لو قتل الملايين، وسرق مكنوزات ونفائس الشرق، من لا يستحق أهله أن يكونوا، ولا أن يقفوا معه على نفس درجة يميزها ويعقمها، فلا يقترب منه أهل الشرق بما هو مدعاة لحساسية، وهرش سيقلقه، وحاجة دائمة لفصل جينات عن جينات.الفكر الأمريكي عجيب، فهو الحاكم لكل زوايا الأرض، وهو من يؤيد حربا على ضعيف، ومن ينقذ القوي ويذود عنه، ويفرق ويسد، ويقرر بمزاجية كلمة لا ترد، ونظرة ثقة لا تهتز، مهما فشلت محاولاته في نشر ديمقراطيته، بين شعوب بائسة ما تزال تتصارع على العرق والمعتقد واللقمة، غير أنه يعشق أن يكون الحاكم بأمره، شبيه المنشار، الطالع النازل يلتهم، وليته بعد ذلك يرضى، بل يصب نقمته، على من يجرؤ بالوقوف أمامه متسائلا، وكل من يحاول شرح وتفنيد الأمور التي تعتصر شعوب الشرق بلغة الويل والهم، فيقابلهم بإعراض وسطحية، لو حدث وتعمقت، فلن تخرج عن أنبوب رأيه الزجاجي الصلب، الذي يكتب القسوة، والتجبر، ويطلق أيادي عمالقة الإرهاب، ومجرمي الحرب للدوس فوق جماجم الأطفال.shaheralnahari@