اتفاق سلام أم تطبيع؟
السبت / 6 / ربيع الثاني / 1445 هـ - 21:53 - السبت 21 أكتوبر 2023 21:53
ألِف الإعلام السياسي تكرار لفظة «تطبيع» حال الحديث عن مفاوضات السلام بين الدول العربية ودولة إسرائيل.وحين أقامت مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة علاقات سياسية مع دولة إسرائيل وتم تبادل السفراء، كان الغطاء الإعلامي لها مرتكزا على تكرار لفظة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ولعمري، فإن في ذلك قفز على دلالة المصطلحات القانونية التي تضبط صيغ العلاقات بين الدول، وهروب للأمام أيضا من قبل الإعلام السياسي الإسرائيلي، الذي تمكن بدهائه من تمرير اللفظة وجعلها محل التداول، حتى تصبح سائغة في الأذن العربية، ولا سيما بين الشباب الذين يعيشون فراغا في كل شيء.بالعودة إلى أصل العلاقة مع دولة إسرائيل، فإنها قائمة على العداوة والحرب، حيث تمكن هذا الكيان الغاصب من احتلال أرضنا العربية في فلسطين بمساعدة بريطانيا، حال احتلالها لعديد من أراضينا العربية ومنها فلسطين، والتي كما أبنت في المقال السابق عمدت إلى إنشاء كيان غريب ومتوحش في جسمنا العربي، وليس بينه وبيننا أي قاسم عرقي أو ثقافي، وكان أن عمد منذ الوهلة الأولى إلى ارتكاب المجازر في حق المدنيين الفلسطينيين، بهدف تهجيرهم عن أرضهم، وتم له ما أراد، حيث هرب كثير من العوائل الفلسطينية المسالمة المزارعة إلى عديد من البقاع العربية المجاورة، بأمل إيجاد الحماية والنصرة، فيعودوا إلى أرضهم آمنين معززين، لكن ذلك لم يحدث، وكانت تلك البدايات الأولى للتغريبة الفلسطينية عام 1948م.خاض العرب بعد ذلك عددا من الحروب التي لم تكلل بالنجاح، بل كانت عواقبها وخيمة، حيث هُزم العرب في حرب 1948م، فخسروا جزءا من الأرض الفلسطينية، وهي التي أسس فيها اليهود نواة دولتهم، وجعلوا ضاحية من ضواحي مدينة يافا العربية بمثابة عاصمة لهم، وأسموها «تل أبيب».ثم تكررت الهزيمة في 1967م، والتي خسر فيها العرب كل الأرض الفلسطينية، واستولى اليهود على القدس كاملة والضفة الغربية بأكملها، واحتلوا سيناء المصرية، والجولان السورية، وأصبحوا قوة ضاربة في المنطقة، وهو ما أصاب العرب بخيبة أمل كبيرة، وأدى إلى انكسارهم، ولا سيما من بعد تلك الجعجعة التي صدح بها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.ولم تعد للعرب بعض كرامتهم إلا مع حرب 1973م، والتي انتصر فيها الجيش المصري وتمكن من عبور خط بارليف، الذي كان اليهود يحتمون به ويرونه أمنا لهم من كل اعتداء، وكان للمملكة العربية السعودية وللملك فيصل ـ يرحمه الله ـ دور في هذا الانتصار الكبير، وبهذا الانتصار المحدود استعاد العرب شيئا من كرامتهم وثقتهم بأنفسهم، وإن كان غضبهم كبيرا من الرئيس السادات الذي عقد بعد ذلك مع الكيان الإسرائيلي اتفاق سلام منفرد.إذن، العداء والحرب هما أصل وأساس العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، لكن الحال تغيرت قليلا من بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات ودولة إسرائيل.فكان أن عقد الأردن اتفاق وادي عربة مع الإسرائيليين، ثم بدأت بعض الدول في تبادل الممثليات وصولا إلى السفراء مع الكيان الإسرائيلي، وكل ذلك يندرج في خانة الانتقال من خانة العداء والحرب إلى خانة السلام مع إسرائيل، على أن ذلك لا يعني وجوب توثيق العلاقة ثقافيا واجتماعيا مع دولة لا تزال في نظر الشعوب دولة غاصبة محتلة لأرض عربية، وهي أرض فلسطين، وتمارس أبشع أنواع التعذيب والقتل بحق المدنيين من الأطفال والنساء، وتفرض أسوأ أنواع الفصل العنصري في التاريخ بأكمله.وعليه، فنحن أمام خطوتين في العلاقة مع إسرائيل، الأولى: رسمية حكومية، تقررها الحكومات وفقا لمصالحها السياسية والاقتصادية، والتي بموجبها تقرر توقيع اتفاق سلام يقضي بإنهاء حالة الحرب الرسمية مع الكيان الإسرائيلي، وهو من حق كل دولة وكل حكومة وفقا لمرئياتها.والخطوة الثانية: شعبية مدنية ومقتضاها أن يكون للناس الرغبة في التواصل الثقافي والاجتماعي مع الشعب الإسرائيلي، وهو أمر تقرره الشعوب، والدليل على ذلك ما هو قائم في مصر والأردن، حيث ورغم توقيع الدولتين لاتفاق سلام مع إسرائيل، إلا أن الناس في البلدين ظلوا رافضين لأي قبول بالتواصل مع المواطن والمؤسسات الثقافية والإعلامية والمجتمعية في دولة الكيان الإسرائيلي.لقد أراد العرب الوصول إلى سلام حقيقي بموافقتهم على مبادرة الملك عبد الله القاضية بحل الدولتين، وأراد الإسرائيليون استمرار الصراع والعداء برفضهم حل الدولتين وفق شروطه العادلة وقانونه الأممي، والأسوأ أنهم عمدوا إلى القفز بشكل منفرد لتوقيع اتفاقات مع الدول العربية، وتعميم لفظة تطبيع عليها، ولم يقف أمامهم على الصعيد السياسي سوى القرار السعودي المعلن، وعلى الصعيد الشعبي ما نعيشه حاليا في طوفان الأقصى. والله غالب على أمره.zash113@