غزة تصيب العقل العربي باللوثة
الثلاثاء / 25 / ربيع الأول / 1445 هـ - 21:42 - الثلاثاء 10 أكتوبر 2023 21:42
ما حدث لإسرائيل منذ أيام، بخروج فصائل حماس المسلحة من سجون أسوار غزة إلى مختلف الأرض الفلسطينية، جوا وبحرا وعلى الأرض وتحتها، تسبب في مجازر وخطف وتفجيرات.وما ردت به إسرائيل بعنجهيتها وعنصريتها وتجبرها على المواطنين العزل في غزة، تقشعر له الأبدان، في حرب إبادة عرقية للفلسطينيين، ونوايا تشريدهم إلى خارج حدود فلسطين، كل ذلك كان من الصعب على اليقين العربي ألا يكون جزءا منه، وهو يشاهد بعينه العجب، فيتعاطف البعض مع طرف، ويغضب من طرف ربما يكون واضحا في الصراع، أو أطراف خارجية مؤيدة لإسرائيل بكل مواقفها وظلمها وقواتها، وأطراف أخرى تظل مختبئة تحت الرماد، وهي تنفخ في جمر الشرر، والكثير يتفرجون مكتوفي الأيدي.الأوضاع كانت أسوأ وأصعب مما يمكن لأي عقل مهما كان ضليعا في السياسة أن يستوعب أحداثه وأسبابه وأهدافه المرحلية والمستقبلية وسط هذا الصراع الدموي الذي يجور على دماء الفلسطينيين.صراع وحتى إن كان أدمى وأوجع وأرعب الإسرائيليين مرة بهجمة فريدة لم يكونوا يتخيلوا حدوثها ولو في أسوأ كوابيسهم، بعد طغيان احتلالهم خلال سبعة عقود ونصف، ومحاصرة غزة منذ عقد ونصف، إلا أنهم لم يجربوا سفك دمائهم الزرقاء، ولا اختطاف عساكرهم ومواطنيهم من الشوارع بأعداد كبيرة، وبمثل ما كان يحدث للفلسطينيين طوال الوقت.أمريكا تحركت أساطيلها، والعالم الغربي وقفوا بصلافة في صف إسرائيل وبانعدام عدالة، ودول مثل روسيا والصين عبروا عن استيائهم على استحياء، وظلت إيران تتبرأ من أدوارها فيما يحدث، بينما يظل العالم العربي بين صمت وشجب ومطالبة بتهدئة، ولكنه لا يستطيع مد اليد للمواطنين العزل اللذين لا يجدون المأوى ولا الحماية، ولا التعاطف العالمي، حتى من هيئة الأمم المتحدة التي تخشى التدخل، فتظل متلبسة بكل معاني الانحياز، ومجلس الأمن لن يستطيع إيقاف الفيتو الجاهز، الذي يحضر ضد أي عدالة للفلسطينيين.وتظل الأمور حائرة بلا حلول، إلا ما تفرضه قوة الهدم الإسرائيلية الغاشمة التي تريد إعادة كتابة التاريخ، وحرق الأوراق القديمة، وتثبيت ما يستجد.نحن أمام لعبة عالمية عظيمة، تحاول انتزاع إسرائيل من الخوف، وتفرض التعاطف معها، متناسين بشاعة أعمالها القديمة، والجديدة.العقل العربي ليس عاجزا فقط، ولكنه لا يفهم كامل المعادلة التي تحدث على أرض الواقع، ولم يعد يثق بأي دولة عظمى، ولا بنظام عالمي، وحتى أنه يموج وسط اتهامات ذات اليمين وذات الشمال، بتشوش الشاشة، وكذب صورها، حين يختلط العدو مع الصديق، ومن يفعل الأفاعيل من خلف الصفوف، لدرجة بث الشك حتى في النفس.كوارث وإجرام تحدث في غزة، والبطش يطول الكبير والصغير، القادر والعاجز، والتصفية العمياء تحدث، وحرق الأرض يشابه نتاج قنبلة هيروشيما النووية، والصدى يغلب الصوت، والخوف يقطع دابر أي عقل أو عدالة.ما يحدث في غزة ليس عملا وقتيا، ولا ردة فعل عقلانية على هجمة إرهابية، ولكنه خطة عظمى لصفقة العصر، تظل تعيد رسم الحدود وتفقد العزل الوجود وتكتب ما كان نظريا بالأمس، ليتخلق على أرض الواقع، وحبات عنب خريطة فلسطين يتم عصرها وسكبها في قدح بعيد، وعلى عقل العرب والبشرية المؤمنة بالحقوق ويقينها وسلامها وعدالتها، السلام.shaheralnahari@