الرأي

جوائز نوبل والجامعات العربية

شاهر النهاري
فاز الفرنسي «بيار أغوستيني» والهنغاري النمساوي «فيرينس كراوس» والفرنسية السويدية «آن لويلييه»، الثلاثاء 4 أكتوبر، بجائزة نوبل للفيزياء، لأبحاثهم المتعلقة بأدوات استكشاف الالكترونات داخل الذرات والجزيئات!جدلية سنوية تمر علينا نحن العرب «وإحنا قاعدين» - كما ردد عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين -، وهو يشرح حال العجز والبراءة والتملص الخبيثة، فلا نجد في كل سنة غير الاستهزاء، والتقليل من قيمة الجائزة، والتشكيك في استحقاق من ينالونها!وكما جاء في بيان رابطة تحكيم الجائزة أن الباحثين الثلاثة منحوا الجائزة تقديرا «لطرقهم التجريبية التي تولد نبضات ضوئية (بأتوثانية) لدراسة ديناميكيات الالكترون في المادة».ولعلنا نحاول أن نتصور بأن قيمة الفيمتو ثانية المعادلة لجزء من مليون مليار من الثانية، والتي استخدمها أحمد زويل والفريق المصاحب له في التصوير، قد تعاظمت لقمة جديدة مهولة بمقياس الباتوثانية (جزء من مليار المليار من الثانية)، ما يستحق التوقف والانبهار والتشجيع على لسان كل البشر.بلوغ مثل هذه السرعات من التحكم بالضوء والصور قد لا يكون ذا بال عند أغلبيتنا، وقد يعدونها مجرد ترف، وفذلكة ومبالغة، بينما هي سعي حقيقي للتغول في كنه الأشياء من حولنا، لبلوغ التحكم في الأصغر من أصغر أجزاء تكوين المادة، حين لم يعد اكتشاف الذرة والالكترونات معجزا كما كان قبل عقود، فتعاظمت علوم البشرية وتعمقت البحوث التطبيقية إلى درجات مربكة للعقول.العالم الغربي يسافر بعيدا في جديد خبايا وأفلاك العلوم والمعارف بينما يعجز وينكمش عالمنا العربي، المقلد، المردد، المتشبث بلمعة القشريات، وبأدنى درجات التفكير العلمي المثمر، وأظن أي جامعة عربية عندما تلمح خبر الباتوثانية، ستلف وجهها المكسوف، وتبحث عن مخطوطة قديمة تحققها، مستهينة ومتندرة بجنون ما يحدث في علوم الغرب.البعض سيقول إن أحمد زويل كان قد حصل على الجائزة من قبل!وجواب ذلك، أنه لو لم يرحل عن دول العرب وجامعاتها، ولو لم ينخرط في جدية توجهات الغرب، ويستفد من قدراتهم البشرية والفكرية، والعلمية وتجهيزاتهم وتنظيماتهم، ولو لم يخلس ثوب الرتابة، ويصبح جزءا من فريق علمي متخصص متمرس، لما بلغ ما بلغ.الفرق شاسع، بيننا وبينهم، وهذا ليس افتتانا بالغرب الكافر، ولا جلد للذات، بقدر ما هو واقع نعيشه وننكره، حينما نفقد اليقين وسط ظلمة كوابيس جهالة نعيشها في عالمنا العربي، بجامعات تتهرب عن تجسيد حقيقة العلم، والمعرفة الخالصة البعيدة عن التراث، والترديد، والمسلمات، وعن التسابق بتلميع اللمعة، عاجزين عن النظر لما هو أبعد وأبقى، وأكثر فائدة.جامعاتنا العربية تسعى بكل جهودها وميزانياتها، لنيل شهادات تميز تباع لها في دكاكين تزوير القياس والتقييم، ولذلك فرؤيتها تتعثر، ولا تجد الإدارات الواعية، القادرة على تطوير المناهج، والبدء في تبني البحوث العلمية الحقيقية، وليس بتتبع الميديا والتطبيقات، التي يتم تعديلها، وتطويرها، في مكاتب خدمات الطالب، وبعدها يتم إعطاء أصحابها براءات الاختراع، المضحكة!الكلام هنا موجع لا شك، ولكن العقل يثبت أن زماننا يختلف عن زمان معارف الغرب، وبنفس فارق ثانيتنا عن الباتوثانية خاصتهم، وعلى ذلك فلا يحق لنا أن نشكك، أو نحتج أو نكذب، حينما يتم تمكين العقول الأفضل من جوائز نوبل.shaheralnahari@