من أساليب الدفاع النفسي في التعاملات البشرية؛ الاختباء وراء سلوك الجدال، وهو مصطلح مأخوذ من جدل الشعر وفتله وإحكام لفه. والمتجادلون كأنما يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه؛ والجدال محاولة الفرض الموقفي بكسب الجولة والانتصار للرأي.قال تعالى «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» (54) سورة الكهف؛ الخالق جل وعلا يعلم أن الإنسان ضعيف في تركيبته الجسدية والنفسية يحاول أن يتعالى ويكابر لإثبات الأمر؛ وإن رأى الحق عيانا بيانا واضحا تاما ينكر ويراوغ ويبرر بمبدأ أكون أو لا أكون غرورا منه واحتقارا للآخر.الجدال في جانبه المعتم مدمر ولا يأتي بخير؛ لأنه ينهك صاحبه ويدفعه إلى الاستعداد النفسي والفكري دوما لمواجهة المواقف المختلفة حتى وإن كان الأمر لا يستدعي ذلك التصعيد فإننا نجد الشخصية المجادلة في سلوكها حساسة ودقيقة وعجولة تعتريها سرعة الاستثارة هجومية لأي قول أو ردة فعل.وإذا نظرنا لجانبه المضيء فالجدال المثمر يوصل للخير إذا ساعد بالاستدلال على الحقيقة وأعان على إظهار الخافية بحسن النية مع حضور السلوك المنضبط القائم على الذكاء العاطفي المحكم بالتركيز على مناقشة الحقائق والإثباتات والحذر من الشخصنة والإسقاطات الدالة على سوء النية.من فنون الجدال ومهاراته البعد عن رفع الصوت والتنمر على الآخر؛ ومحاولة مقارعة الحجة بالحجة لدحض المخالفة وتبيان المغزى منها ليستفيد الطرفان أو الأطراف جميعا قال تعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن» (125) سورة النحل.هنالك ما يسمى بالجدال البيزنطي؛ أي التراشق اللفظي عديم الفائدة والذي يقع بين طرفين دون أن يقنع أحدهما الآخر ودون أن يتنازل كلاهما عن وجهة نظره مما يؤدي إلى اختلال التوازن الفكري واعتلال الجانب النفسي لدى أحد الطرفين أو كليهما؛ وسبب التسمية يرجع للدولة البيزنطية حينما سقطت على يد محمد الفاتح في القرن السابع الميلادي الذي دك حصونها وحاصرها وسيطر عليها ورجال الكنيسة آنذاك منقسمون في جدالهم الشخصي العقيم ولم يلتفتوا إلى شأن الدولة العظيم.قال صل الله عليه وسلم «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» والمراء هو الجدال وربض الجنة أي ما حولها.الجدال يبدأ بانطلاق شرارة تمتد لتحرق الآخرين والذكي من يستطيع السيطرة عليها مسبقا وإخمادها بالانسحاب التكتيكي المقنن من الموقف والحفاظ على الطاقة المشاعرية وعدم إهدارها لمجرد إثبات فكرة لا تستدعي أو تأكيد رأي لشخص لا يراعي.الجدال مثل الصدأ يطفئ لمعان العلاقات ويورث البغضاء ويعزز للانتصار الأعمى ويقلل من الاحترام وقد يؤدي إلى السلوك المتعدي بالشتم والإهانة والضرب.نصيحة.. هنالك من ذهب عن أخلاقه؛ وهنالك من بأخلاقه ذهب.حافظ على لمعانك.Yos123Omar@