لماذا يستهدفون أحمد بن حنبل؟!
الاثنين / 17 / ربيع الأول / 1445 هـ - 21:49 - الاثنين 2 أكتوبر 2023 21:49
لماذا يستهدفون عالما يتفق عليه المسلمون أو يختلفون رغم أنه انتقل للآخرة منذ ما يزيد عن ألف عام؟ لماذا يحضر الإمام أحمد، أو غيره رمزا للهجوم على أتباعه أو أشباه الأتباع، وليس الإمام أحمد بن حنبل فحسب، إنها قد تستهدف بعضا من رموز السنة، أو رموز السلفية أو رموز الشيعة أو الصوفية أو العقلانية أو الشعبويين أو غيرهم، فاستحضارهم من قبورهم ومناقشة أفكارهم ليست إلا غطاء الكتاب والمتحدثين على أتباع هؤلاء، وليست هذه المقالة هدفها الدفاع عن هذا أو ذاك، بل لسبر أغوار الكاتب الذي خلق الرمز، ثم أنشا السهام للهجوم عليه ثم بادر برميها ليس بهدف أن يصيبه، فالأموات لا تصيبهم سهام الأحياء ولا يشعرون بها، بل الهدف أن يصيب أتباعه أو أشباه الأتباع، أما مبررات هذه الهجوم فهي كثيرة، يأتي بعضها على هيئة أن فكره لم يمت وأن هناك من يحييه؛ ولذا وجب الوقوف في وجهه نيابة عن وجوهم التي لا يستطيع لسبب أو آخر استهدافها، وربما مبررهم قتل فكره (إن كان متطرفا) في مهده قبل أن يشب عن طوق الجنون فنتصدى له، أو ربما أن تأثيره لا يزال قائما ببعض أفكاره في أشخاص هم كثرة لا يصعب حصرهم فحسب، لكنهم نكرات على مستوى الأفراد فليس من المجدي أن تصوّب سهام النقد إليهم فيرتفع شأنهم بل إلى كبيرهم الذي علمهم – بغض النظر من هو، والإمام أحمد في هذه المقالة ليس إلا مثالا لشخص!- ومن مبررات الهجوم عليه أن ثمة من يستغل فكره لتمرير أجندة مختلفة تحت ستاره فوجب التحذير منهم جميعا، هكذا يخلق الفكر الهجومي مبرراته فإن تراث الأئمة ليس قابلا للنقد فحسب بل للتحميص ما دام لا يزال ينتج بعض أفكاره.وبرغم تجاهل بعض القضايا المهمة في حياة هؤلاء الرموز (بما إننا في سياق الإمام أحمد بن حنبل مثالا، فهم لا يأتون على مسألة خلق القرآن؛ لأن العالم الإسلامي تجاوزها ولا يأتون إلى مسألة الأسماء والصفات؛ لأن الناس عادت إلى فطرتها فصارت تفهم الأسماء والصفات في سياقها الإلهي المختلف عن السياق البشري، بل يركزون على القضايا التي تمس الواقع) وتحت ستار هذا الواقع يتم الضرب على وتر الأتباع، وبرغم أن ما يحدث منطقيا إلى حد ما، فإنه ثمة أشياء يتجاهلها فريق الهجوم، مثل الحالة التي صدرت فيها فتوى هؤلاء المستهدفين، ويردون على الحالة الراهنة تلك بأن فتواهم ستكون للأجيال فلن يهتم الأجيال بظروف الواقعة بل سيتهمون بالفتوى فحسب، وبرغم أن هذا يعتبر اجتراء الفتوى إن جردت من سببها وأحوالها، فإن الخصوم المدافعين أيضا لا يوضحون ذلك لأتباعهم (كلا الطرفين يفتقد العدل) كما أننا يمكن أن نضيف أن المهاجمين يتبعون أساليب انتقائية في تراث الرموز، فمثل الإمام أحمد بن حنبل (مثلنا) من أشهر العلماء من ذوي الأقوال المتعددة والروايات عنه، ومع هذا لا يزال يوصم بأنه الأكثر تشددا بين الفقهاء، وكيف يكون الأكثر تشددا ويكاد أن يكون له في المسألة أربعة آراء (يعني كل حالات الفقه يطبقها على المسألة الواحدة) فيتم انتقاء رواياته الأكثر تشددا كطريق للعبور إلى أتباعه!يقابل هذه الحالة من حالة اللاعدل لتراث هؤلاء الأعيان المنتقين لرموز الفئة المستهدفة، حالة دفاع لا تقل عنها في حالة اللاعدل، فيعتبر المنتمون للتراث هؤلاء الأكثر انتقائية وليا لأعناق النصوص والأقل فهما في التأويل بل يصل للتحريف والسذاجة في التعاطي (هذا يعطي مبررا قويا لأعدائهم) كما أنهم يعتبرون المساس في الأئمة لديهم مساسا في العقائد والملة وأصل الدين، وهذه محاولة للتلبيس على الناس عندما يتم تقديس المفضول وإهمال الفاضل والمرجع الأول في النص، ثم يعتبرون الهجوم على الإمام هجوما شخصيا على الدين والفضيلة والحق.ستبقى سلسلة الانحراف مستمرة إن غابت الوسطية في التعاطي، وإن ظهرت الوسطية في مسألة قد يغيب التطرف؛ لأن الوسط مقنع وأكثر مناسبة لحال الناس، كما أنه يذوب الخلاف في حالات التوازن فتظهر نسبية الآراء وعدم قطعيتها بأي حال من الأحوال!Halemalbaarrak@