ولي العهد والحقيقة التي لا تسقط بالتقادم
الأربعاء / 12 / ربيع الأول / 1445 هـ - 23:47 - الأربعاء 27 سبتمبر 2023 23:47
البعض يرى السعودية الجديدة ملاكما جيدا على الساحة الإقليمية والدولية. قد تصح تلك الرؤية. هي مبارز بارع أيضا، وتجيد تصحيح مفاهيم الدول والمجتمعات، وهذا ليس بهين. فحالة التنوير والتحديث التي تجسدها المملكة، بلا أدنى شك، تسهم بشكل أو بآخر بتغيير رؤية أو نظرة معينة، قامت على تزييف الحقائق والتاريخ.والإنسان والتنمية ونقل التطور إلى الآخر الذي يعد عماد السياسة السعودية الحديثة كذلك يقوم بذات الدور. وقتل الجهل بالعلم هدف واضح ومرسوم المعالم في التخطيط السعودي أيضا. والعالم الآخر ليس مغفلا؛ إنه يرى ويراقب.ربما لا أسعى للحديث هذا اليوم عن فكرة التحديث السعودية، إنما هي مدخل لما سألج إليه لاحقا؛ فالحديث الذي أجرته محطة أمريكية ذائعة الصيت الأسبوع الفائت، مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان يستدعي ما سبق من القول، لا سيما وأن اللقاء، كشف عن لاعب محترف، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والعلاقات الدولية. ناهيك عنه أنه ملفت للانتباه اعتماده على الأرقام، وكأنه وزير لكل وزارة؛ وسفير في كل سفارة. في الحقيقة مذهل هذا الرجل.قطعا، بدون شك، كل ما جاء في ذلك اللقاء، يعتبر مثريا للإنسان السعودي، والخليجي، والعربي، وربما الغربي أيضا. لكن ما أريد الحديث عنه اليوم، هو مخاطبة ولي العهد الرأي العام الأمريكي «من نافذة تطل على عقر دار أمريكا»؛ - أقصد في وسيلة إعلام أمريكية ذات تقدير كبير -، اختصرت مفهوم، أن الحقيقة لا تسقط بالتقادم.فقد وضع للولايات المتحدة الأمريكية، معلومات وتحليلات منطقية، تستند على وقائع وليس تضليلا.السؤال، هل تقتنع أمريكا دولة وشعبا، بما منحهم إياه ولي العهد، من تفاصيل حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، لاسيما وأنها كانت ترتكز على محاولة وقيعة كبرى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؟ الجواب للعقل المنطقي؛ نعم. كيف؟ لعدة أسباب:أولها: أن المملكة ذاتها اكتوت بنار إرهاب تنظيم القاعدة وخطط أسامة بن لادن، الذي جلب حفنة من السعوديين لتنفيذ تلك الهجمات.ثانيا: فإن المملكة أيضا؛ لطالما وقفت سدا منيعا أمام هجمات كانت من المقرر أن تضرب العمق الأمريكي، من خلال تمريرها معلومات استخباراتية لأكثر من واقعة، وأحبطت تلك العمليات بفضل المعلومات السعودية.ثالثا: وهذا يمكن استنباطه من جواب ولي العهد في اللقاء حين قال «أسامة بن لادن خطط وهاجم السعودية. وبالتالي ليس من المنطقي على الإطلاق أن نعمل مع الشخص الذي ينفذ الهجمات الإرهابية في المملكة في التسعينيات، ويقتل السعوديين والأجانب في ذلك الوقت بالمملكة. وفقا للتقارير، كان استقطاب أكبر عدد ممكن من السعوديين لتنظيمه، ليضمن إحداث مشكلة بين الولايات المتحدة والسعودية. هو عدونا وهو عدو لأمريكا. إذا انطلت هذه الخدعة على الشعب الأمريكي، فهذا يعني أن أسامة بن لادن نجح في تنفيذ خطته».لقد خاطب ولي العهد «العقل الجمعي الأمريكي»، بالحقائق المقنعة، ولا أتصور أن واشنطن التي مثلتها وتمثلها حكومات متعاقبة منذ تلك الفترة، وحتى الرأي العام الأمريكية - وهو أهم من الحكومات -، بالسذاجة التي تمنح فرصة اختراقه من قبل تنظيم متطرف، من خلال الاقتناع بزيف معلومات، ضد دولة، ترتبط معها بأهم عناصر التكيف، السياسي، والاقتصادي، والنفطي، والأمني، منذ عقود.والسؤال الآخر؛ لماذا كانت إجابة ولي العهد على هذا النحو؟ الجواب؛ ذلك مرتبط بصورة السعودية التي تسعى لتصديرها للخارج، ليس من باب التلميع، إنما من منطلق الواقعية السياسية التي تعيشها، من خلال تكريس مفهوم التعايش والانفتاح على الآخر، بالإضافة إلى تبنيها تنمية الشعوب، وضرورة تصدير ذلك حتى للخارج، بما ينعكس ويعود على تعمير الأرض، وقتل الأفكار السائدة لدى المجتمعات التي تتصف إلى حد ما لا أريد قول «الرجعية»، إنما المتأخرة عن ركب قاطرة التطور، من خلال التعليم ومحاربة الفقر، وتوفير فرص العمل، وهذا مبدأ سعودي آخر يمكن النظر له بعمق، وقد تمكن من نسف «الأنانية السياسية».ولدي الدليل على ذلك، فالخطوة التي تبنتها – بلادي – الهادفة لفتح ممرات اقتصادية تربط الهند بالشرق الأوسط، وأوروبا، خلال اجتماع مجموعة العشرين التي شهدتها الهند الشهر المنصرم، قامت في حقيقة الأمر على الثقل الذي تشكله المملكة، دينيا وسياسيا واقتصاديا، ومن ثم؛ فذلك تأكيد قطعي على محاولة تعميم النمط الفكري السعودي الحديث، الذي يعتمد على البناء، وليس افتعال الخصومات والتنافر والقطيعة، بعد أن اثبتت تلك الأساليب فشلها.إن القضية الكبرى التي يحملها «الملهم والعراب» محمد بن سلمان، تتصف بكثير من الواقعية، والمنطقية، وتعميم الأفكار التقدمية، وهي حتما ليست لإرضاء أحد، مهما بلغ وزنه، وثقله، وقوته، بل تعتمد على أساس تعميم النموذجية السعودية البناءة، التي لا تبقي ولا تذر، من عناصر التراجع والتخلف عن ركب العالم الجديد.ومن هنا يمكن القول، بأن محاولة ولي العهد الرد على مزاعم تورط أو تسهيل المملكة لهجمات؛ ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل، ما هي إلا حقيقة تكشف وتسلط الضوء على أحد أبواب السياسية السعودية التي تتصف بالمباشرة، والصدق، والمكاشفة.لذلك اخترت عنوان هذا الأسبوع «ولي العهد والحقيقة التي لا تسقط بالتقادم». المهم؛ إن وفقت فيه فذلك نابع من تنوير «حبيب الشعب»؛ وإن لم أوفق، فمني، ومن الشيطان والعياذ بالله. والسلام.