الرأي

التنوع ثراء وطني

زيد الفضيل
أشار سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان ـ يحفظه الله ـ في حديثه مع كبير مذيعي قناة فوكس نيوز الأمريكية، إلى حالة التنوع الطبيعي الفريدة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية، فهي ليست صحراء وحسب، كما رسخ في الذهن الغربي، بل فيها مناطق شتوية مكتنزة بفرائها الأبيض، والتي ستنطلق قريبا في رحابها الألعاب الشتوية، ولديها الجبال السامقة، والسهول الممتدة المكسوة بأريجها الأخضر، والأودية التي تسيل بمياهها الجرارة، والتِّهام التي حوت أعظم البقاع وأقدسها، وخرج منها أفضل الخلق وأطهرهم.ناهيك عن الثراء الجغرافي الناتج عن التواصل الحضاري، فالمملكة تحد عددا من الجهات الحضارية المهمة في عمق الزمن، كما هو الحال مع اليمن وحضارتها المكتنزة جنوبا، والحضارة الإيرانية شرقا، وحضارة الهلال الخصيب شمالا، والحضارة المصرية غربا، علاوة على كثير من السمات الحضارية من شرق الأرض وغربها، والتي أراد الله أن تجتمع في أرض الحرمين رغبة في أجر الجوار، فكان أن امتزجت بين بعضها البعض، وانصهرت مع الزمن في بوتقة واحدة، لتنتج عنها هوية واحدة، بسمات متنوعة مشتركة، كان لها أبلغ الأثر والتأثير في ثقافة المملكة العربية السعودية، كما أسهمت في حالة الثراء الحضاري التي ميزت ما نعيشه من نهضة معاصرة.على أن التنوع لا يتوقف عند حدود الجغرافيا، بل يمتد إلى الطبائع والأذهان التي تصوغ السمات الفكرية والاجتماعية للإنسان السعودي، وهو ثراء يصب في مصلحة الوطن، ويزيد من قوته، وكأني بسمو الأمير يقول لبريت باير: نحن أيضا على الصعيد الإنساني لسنا شكلا واحدا، ولسنا عقلا واحدا، بل نحن ألوان متنوعة، ولكنها متناسقة بين بعضها البعض، اجتمعت في وطن واحد بكرامة وحرية، لتحلم وتحقق ما يريده الوطن ويصبو إليه من ريادة ونمو، في ظل استقرار وأمان شامل.إنها الرسالة السامية التي آمن بها قادة هذه البلاد منذ التأسيس وحتى اليوم، وهي جوهر قوة هذا الوطن منذ الابتداء، إذ كان الاحتواء ديدن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وهو ما جرى عليه الملوك من بعده، ولهذا تم انصهار الكل بهدوء وسلاسة، وأخذت الشخصية السعودية الجامعة بين أبناء هذا الوطن في التكون تدريجيا، حتى صرنا على ما نحن عليه اليوم، فلا نشعر بفوارق في اللهجة والخطاب، والملبس والمأكل، وصولا إلى الأزياء التي باتت جامعة لكل أبناء الوطن، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، مع الاحتفاظ بالهويات المتفرعة في دواخلنا، التي لامست أشباهها في دواخل الآخرين، ولا غرابة في ذلك، فما يجمع بينها أكثر مما يفرقها.أشير إلى أن مردّ جزء كبيرد من طبيعة الصراع الدائر في مناطق الاشتباك في كثير من الدول الإقليمية راجع إلى احتدام صراع الهويات بين أبناء البلد الواحد، وهو صراع مقيت لا يميز شرره بين صغير وكبير، حسن وسيئ، وهو ما حمانا الله منه سابقا وحاضرا وإن شاء الله مستقبلا، بفضل قيادة حكيمة واعية مدركة، وواجبنا كأفراد أن نشكر هذه النعمة بالعمل وكمال الوعي، وأن ندرك أن ضياع غيرنا كان بسبب التنابز بالألقاب، والانغماس في التصنيفات العرقية والمذهبية المقيتة، حتى فقد كل واحد منهم خاصية النظر بإيجابية إزاء جاره، لمجرد أنه يختلف معه في اللون أو العرق أو المذهب، وتناسوا أن ما يجمعهم كان ولا يزال أكثر مما يفرقهم، كوحدة الدين، والأرومة، ومظلة الوطن الواحد الذي يفيئون إليه كلما اشتدت الظروف واستعر أوارها.في هذا السياق، كانت السعودية وما تزال جامعة لمختلف الأجناس والأعراق الإسلامية، باعتبارها المرتكز الروحي للمسلمين، مما جعلها مع مرور الزمن موئلا لتنوع أنماط متعددة من السلوك الحضاري، ومنطلقا لأشكال متغايرة من الآراء المذهبية والفكرية، وهو ما سمح على الصعيد المعرفي ببروز عديد من العلماء المتنوعين في أفكارهم ومذاهبهم، الذين تجانسوا فيما بينهم وفق خاصية ثقافة المثاقفة.وحتما فإن الإيمان بالمثاقفة سيؤدي إلى إثراء ثقافتنا الوطنية والاجتماعية بشكل خلاق، فضلا عما يعكسه من روح متسمة بالثقة والتسامح بين الأفراد والجماعات، إذ تزول كثير من الأوهام، ويتساعد فرقاء الطيف الثقافي والفكري والاجتماعي على تفعيل القواسم المشتركة بينهم، الأمر الذي يخفف من حدة التوتر، وسلبيات العداوة البينية، التي عادة ما يغذيها الجهل بالآخر، والإيمان بما تكون في الذهنية من أحكام سلبية مسبقة عنه. وكل عام ووطننا بسلام ونماء.zash113@