الرأي

المنطق الديني عند جوستاف لوبون

عبدالحليم البراك
حدد جوستاف لوبون أكثر من منطق يقوم عليه الإنسان في تفسيره لنفسه وللحياة من حوله وتعتبر منظمات للفعل الإنسان، منها المنطق العقلي والمنطق العاطفي والمنطق الديني والمنطقي الجمعي، وكلها تحمل سمات خاصة بها تجعلها تعمل في شكل منظومة إنسانية واحدة تشكل وعي الإنسان وتصرفاته، يقول جوستاف لوبون في بداية وصف سمات المنطق الديني 'المنطق العقلي هو منطق واع يتعلم كيف يتفكر، ويداول ويقدم براهين واكتشافات، منطق العواطف هو منطق لا واع والمصدر المعتاد لسلوكنا والذي تفلت ترابطاته في أغلب الأحيان من فعل العقل.المنطق الديني الذي سنعنى به الآن يتوافق مع مرحلة عليا من الحياة العقلية لا تعرفها الحيوانات في حين أنها تمتلك عددا كبيرا من عواطفنا ' هكذا يبدأ د. جوستاف لوبون مقدمته في شرح سمات المنطق الديني.فيأتي المنطق الديني في سمة أعلى من سمة العواطف موازيا للعقل أو بالمرحلة الأعلى له إلا أنه يستشهد بأن الحيوانات تملك منطقا عاطفيا كبيرا يشبه عاطفتنا فهي تحن على أطفالها وتدافع عن بني جنسها، وقد تبكي على فقد وموت أعضائها إلا أنها لم ولن تصل للمستوى المنطق الديني إطلاقا الذي يتسم بخلق فهمه عن الكون والحياة وقدرته على تفسيره بل والتنبؤ بالمستقبل، وأحد الدوافع الأساسية للفعل في حياة الإنسان.لكنه يشير إلى أن المنطق العقلي يقبل الأسباب الطبيعية في تفسير الحياة العقلية حوله، إلا أن المنطق الديني لا يقبلها بل يقبل تفسيرا يتبنى الإرادة العليا والتي نخشاها ويجب أن نسترضيها، وهي بالتأكيد تختلف من شعب لآخر ومن ثقافة لأخرى ومن عصر لعصر أيضا حتى وصلت الأمور لمستوى السلطة بل واتسمت بالروحانية أيضا!كما تتسم النزعة الدينية بالثبات (الثبات النسبي حتما)، رغم تعاقب الزمن، التي تزيده مع مروره – أقصد الزمن – تقديسا وهي غير معنية بالنقد، أما بالنسبة لتأثيره على الأفراد، فلأن 'إيمان الشخص الديني بلا حدود، فإنه لا يمكن لأي معقولات أن تصدمه' بل ربما هو يصطدم بالمعقولات ليبرهن على الدين، أي أنه برهن على الدين بالانتظام المعقول للكون ولنقيضه بكسر هذا الانتظام بسبب إيمانه الديني، ويضيف لوبون 'نجاحات العقل ستكون دون شك عاجزة عن زعزعة النزعة الدينية' أما عند الإنسان المتحضر فيقول لبون' عند الإنسان المتحضر تكون المعتقدات أقل بدائية؛ لأن مفهوم القوانين الضرورية فرضته عليه تربيته بأكملها ولن يسعه إنكارها بل يقبل فوق ذلك أن بعض الصلوات يمكنها أن تحث القوى الغيبية على إيقاف فعلها'.أما عن تعايش المنطق العقلي مع المنطق الديني فيشير إشارة عاجلة بقوله 'المنطق الديني والمنطق العقلي يستمران على هذا النحو متزامنين في العقل ذاته دون أن يتداخلا' هذه القدرة التوافقية هي ابتداع إنساني فريد، بل سعى الإنسان إلى عقلنة العلم، سعى نفسه إلا تدين العلوم أيضا، وهذا لا يعتبر تداخلاً بقدر ما يعتبر تسويغا.ويمكن أن نلمس من هذه التحليل للمنطق الديني كيف يمكن للإنسان أن يتعايش بشكل جلي وواضح مع المنطق العقلي في داخله والمنطق العاطفي أيضا بالدين دون المساس باعتقاده حتى ولو كان في قمة تألفه العقلي والعاطفي.وإن هدفه بذلك هو الفهم والإدراك الكامل لمكونات المنطق الإنساني والتي هي بالضرورة مكون للفرد، بل يشير في موضع أخر من الكتاب 'الآراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها' بأن الإنسان يمكنه أن يعتقد اعتقادات باطل وغير منطقية إطلاقا برغم أنه يحمل أعلى الشهادات ولا يغادر معمله في جامعته إلا لماما، إذ لا يعتبر العلم عائقا عن الإيمان بأي حال من الأحوال!Halemalbaarrak@