الرأي

أنا متطرف

خالد العويجان
أنا متطرف، ومتزمت، وعنصري من النخاع حتى النخاع، منذ كنت صغيرا؛ وهذا الشعور يخالجني، بل إنه يقاسمني أدق تفاصيل حياتي البسيطة. كان العيب يمنعني من التصريح، وربما الخوف كان أقسى من كل شيء.الرعب محيط بكل اتجاه، لأن وحوش الغابة كانت ضارية.أنيابها تسيل منها الدماء، خشيت أن أكون ضحية أحدها -أقصد تلك الوحوش-.مضت سنون طويلة والحال كما هو، الخوف، والرعب، والحساب والعقاب، يتمركز هنا وهناك، أينما اتجهت أو نظرت.الوطن بالنسبة لي، وللكثير؛ مصدر شبهة، الغباء ينتشر في كل مكان، مثله مثل شيطان، يحمل ملفات تهمته بيده.والسجن والقمع أقرب لي ولأبناء جيلي من حبل الوريد، وحتى التكفير، وملفات الاستتابة، مفتوحة على مصراعيها.أثق أن المقدمة سوداوية، لكنها كانت واقعا من تاريخ مرير، والتاريخ ملعون، لا يجامل أحدا، الجميع لديه سواسية، ملك، رئيس، زعيم، مواطن بسيط، في صفحاته الجميع تحت إطار حقيقته، التي قد تكون للبعض مؤلمة.وحقيقتي موجعة، وأنا مواطن بسيط، أو تافه.وأعني بتافه، لأني كنت ضحية شعارات جماعات الإسلام السياسي، كإخوان المسلمين، والدعوة والتبليغيين وما شابه ذلك من تكتلات الكذب والتدليس، مرت الأيام والسنون، واكتشف الجميع أنه ضحية خدعة «إسلاميين»؛ كانوا متصدرين للمشهد، وسقطت أقنعتهم مع الأيام، وانجلت خططهم، ضد مفهوم الوطنية العام.سأنتهي عند هذا الحد في الحديث عن أولئك، باعتبار أنهم باتوا في مزابل التاريخ.قلت في العنوان أنا متطرف. وهذا صحيح، واعتراف حقيقي.متطرف لهذا الوطن العظيم، والكبير، الذي حضر أحد من زعمائه، لمؤتمر عالمي، وأخذ على عاتقه الإعلان والتصريح، عن فتح أبواب العالم الشرقي، للغربي، والتفت العالم بأسره للصوت السعودي.وبنظرة ثاقبة، تمنحنا الدليل، لقولي السابق، فلم تخرج قمة مجموعة دول العشرين التي أقيمت في الهند، بأكثر من عزم المملكة، على فتح ممرات اقتصادية دولية، تربط جزءا من العالم، في الناحية الأخرى.فالعنوان الكبير الذي صدر عن تجمع لأقوى اقتصادات العالم، يمكن القول أنه جاء من الرياض؛ إن أردنا تمحيص الحقيقة.حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية، جاءت مهرولة، لتوقيع مذكرات من هذا النوع. وهذا لا يعني لي، بقدر ما يعني أن اقتناع العالم بالإرادة والفكر السعودي، بات أمرا واقعا، لاعتباره نابعا من ثقلها، والموثوقية بها على المستوى الاقليمي والعالمي؛ ناهيك عن موقعها الاستراتيجي، الذي يفتح أمامها الأبواب لأن تكون نقطة تلاقي الأمم.أعلم تمام العلم؛ أن هذا الموضع الذي تبوأته بلادي العظيمة، لن ولم يمر بردا وسلاما على الجماعات التي ذكرتها سابقا، لكن حديثي، حول كيفية تحول السياسة السعودية، ومحاربة تلك الأفكار، التي تأكد من خلالها العالم، أن المملكة، تجاوزت الإطار المحلي والإقليمي، ودخلت في منهجية تغيير العالم، الذي يتعامل بطريقة أحادية، أنهكت السياسة، والاقتصاد، والشعوب والمجتمعات.فالنظام العالمي السابق، أصبح غير مجد، وهو الذي نشبت في ظلاله لسنوات عدد من الحروب الطاحنة، التي لم تفيد العالم بل قادته للوراء، وهذا ما يجعلني على يقين أن الرياض بكل الأحوال، عقدت العزم وحملت رغبتها في المشاركة الفاعلة بتغيير تلك الأنظمة العالمية، التي تارة ما تعتمد على منطق القوة، وأخرى تنطلق من موقع تاريخي ملوث بالدماء لبعض تلك العواصم التي ترى أنها مؤثرة.أتصور أن صانع القرار السعودي، بما لا يدع للشك مجال، أيقن تماما بأن النزاعات والمواجهات، وحتى أشكال الصراع السياسي الذي حولت بعض الدول قاعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن مرتعا ومنطلقا لها، لن تفيد المجتمعات قيد أنملة، من حيث التقدم والتطور، الذي يحتاجه عامل تعمير الأرض. لذا كان ملف الاهتمام بالإنسان أولوية في السياسة السعودية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي.فخطوة المملكة العربية السعودية في ربط الأمم بعضها ببعض، ليس إلا اثبات على العمق والثقل الذي تتمتع به هذه الدولة، هذا من جانب، ومن آخر، فإن ذلك يعود على التنمية بالدرجة الأولى لشعوب العالم، من نواح اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأكثر من ذلك، بدلا من الخصومات التي أثبتت عدم جدواها.إن النظر بعين الحقيقة للاتجاه السياسي السعودي، يقطع الشك باليقين، بأن العالم تجاوز ذلك النظام الذي أكل عليه الدهر وشرب، وأن منطق القوة والأحادية في الرأي والصوت، بات من الماضي وخلف المجتمعات والشعوب، التي تتطلع إلى أسلوب حياة ينقلها من الجهل إلى العلم، ومن الركود إلى التقدم، ومن العوز إلى الإنتاج، ومن الخلف إلى الأمام، وهذا لن يتحقق بنظام جامع للعالم، لا يضع في حسبانه أكثر من التفرد في القرار.عند هذا الحد يمكنني فهم حالة التطرف تجاه هذا الوطن العظيم، التي تسكنني وتعيش معي، لأنه أكبر من وطن، وأكبر من كيان، إنه حالة كبرى من الهيام في إنجاز تاريخي صنعه الرجال، وتركوه أيضا للرجال؛ لذا لا مانع من العودة للعنوان وتكراره، أنا متطرف. وهذه حقيقة.