لا يرتاح ولا يريح
الاحد / 25 / صفر / 1445 هـ - 22:43 - الاحد 10 سبتمبر 2023 22:43
أقبل ذات يوم على صاحبه مستغيثا وصوته متهدج ويتقطع في ارتعاش ثم أصدر صوتا تقاطعه غصات جارحة وزفرات أنفاس ملتهبة كأنها وقع شمس صيف في رابعة نهار يوم قائظ على رمضاء لا حجر فيها ولا شجر، متأذيا من قريب له ألد خصم ومماحك شرس ومنازع عنيد وفظ أعوج، وقد تضايق منه في أوقات كثيرة واستاء منه في أحيان عديدة وتكدر إلى حد بعيد؛ فهو معروف بكثرة مشاكله وتعدد شكاويه وقد أصاب الكثيرين منه الضرر ولحقهم منه الأذى لكثرة ادعاءاته وتعدد مطالباته.فهو متسرع وغير مقدر للعواقب وتنقصه الحكمة والتروي، وجهه وقسماته تختلف عن الأسوياء، إذا شعر من نفسه القوة وأحس بها ادعى باطلا ونسب إلى نفسه ما لا حق له فيه، يماطل في أداء الحقوق ويؤجل ويسوف مرة بعد أخرى، قد يخاصم أحيانا وينازع أحيانا أخرى وهو محق لكنه لا يقتصر على حقه بل يظهر الزيادة ويخلط بطلباته كلمات تلحق الأذى بغيره ويجادل ويناقش بغير علم، شديد الخصومة، غليظ الطبع، جاف التعامل، متعاظم في نفسه يرد الحق ويحتقر الآخرين، صعب المراس في المناقشات، حاد الطبع في المجادلات، ولا يمكن صرفه عما يريد، يقيم الدنيا ولا يقعدها لنزاع لا أهمية له ولا وزن، يحب مجادلة الآخرين ويفضل مخاصمتهم ويرغب في معاداتهم ويشغلهم بأمور تافهة، ليس لديه سهولة في السماح وقبول الأعذار وإنهاء الخصومات بل يلد في خصوماته؛ فإذا أكمل حججه وانتهى منها انتقل إلى أخرى حتى يضيع الأوقات ويطيل الخصومات، كلما ذكر له شيء حمله على محمل آخر وتفسير مختلف أو قال: نعم هذا ممكن وصحيح وسليم لكن ربما ومن المحتمل وقد يكون، وإذا حاجه أحد وأقام عليه الحجة الدامغة والدليل القاطع أتى بأشياء واحتمالات بعيدة من أجل إفحام خصومه وإسكاتهم بحججه والانتصار لنفسه.تعجب الآخرين حلاوة لسانه وذلاقته ونبرة صوته، ويتظاهر بطيب السريرة وصفاء النية ونقاء الطوية وقلبه في الحقيقة غير ذلك، تمتلئ نفسه باللدد وتزدحم بالخصومة؛ فلا جانب فيها للسهولة والسماحة، ولا مقر فيها للتلطف والنفع، ولا محل فيها للتصبر والتجمل والإيثار، إذا خاصم أحدا أو نازعه فعل كل السبل واتخذ كل الطرق واحتال وراوغ وخادع ووارب حتى يحصل على كل ما يطلبه كاملا غير منقوص، صاحب جدالات شديدة ومناقشات حادة وحجج باطلة وبراهين خاسرة، إذا أتي من هنا نزع بحجة لا أساس لها من هنا؛ فيأكل حق غيره ويغلق تماما طريق العودة ولا يترك إطلاقا خط رجعة للصلح والتوافق وإنهاء الخلاف، لا يراجع نفسه ولا يعيد النظر في أمره بل يتمادى فيه ويستمر ويدوم عليه.ذلك الألد الخصم غليظ الجانب يعجب بمن يمدحه في مخاصماته، ويسر ممن يثني عليه في منازعاته، ويفرح بمن يشيد به في مطالباته، ويتظاهر بالغفلة عن الناصحين له ويتعمد عدم الانتباه لهم بل يزيد في وصفهم بالخور؛ فهو شخص مشاغب ومثير للمشاكسة ومحب للخصام ومولع بالمداعاة ربما لمصالح شخصية أو بسبب أمراض نفسية وتراكمات عاشها وشعوره بأنه شخص ممقوت يلاقي رفضا وتجاهلا وعدم قبول حتى وصل لمرحلة تولد لديه حب الظهور ولفت الانتباه أو فقط يمارس ذلك السلوك كعادة له تجذرت فيه منذ الصغر ونمت معه حتى صار لا يرتاح ولا يريح.