الرأي

وجه الشبه بين بريغوجين وصدام

خالد العويجان
كصحفي عبثي، الدماء تعني لي، وشهوات الحروب المفتوحة، وأكثر من ذلك.هي عنواني، وقصتي الصحفية والناس تقتات على هذا وذاك. السياسي العنيف، يريد الانتصار، وأنا أريد له الانتحار، ولعله في أكثر من ذلك يهمني أن ينتهي، لأكتب قصتي.يفغيني بريغوجين؛ قائد مرتزقة «فاغنر»، بالنسبة لي، هو كما كان صدام حسين.الأول تنقل في روسيا؛ وأوكرانيا، وسوريا، وبعض من دول أفريقيا؛ بحثا عن الذهب.كان آخر مشهد له بأحد تلك الدول يبحث تارة عن دماء، وجثث، وأخرى عن ذهب وسطوة، ونفوذ خارج الحدود.وصدام حسين كان كذلك، حكمته شهوة الحرب كثيرا من سنين حياته.قاتل ونافح وخاطب وجيّش الشعوب، وعند فترة تاريخية، انقلب عليها.حتى شعبه لم يسلم منه، أسس كثيرا من المحارق التاريخية، «حلبجة» لا تزال مثخنه بالجراح، وشعبها لم ولن يغفر.أخذته الحماسة إلى أن فكر خارج الصندوق، قرر في ليلة مظلمة، الجرأة والتطاول على دول الخليج، صحيح كان العنوان العريض «غزو الكويت» لكن الهدف كان أكبر وأعمق من آبار نفط الكويت. العين كانت على مصاف نفطية سعودية وإماراتية وأخرى خليجية، لكنه لم يكن صاحب قرار مصيب في هذه الخطوة، خرج أو أخرج من هذه الحرب خاسرا منكوس الرأس، وربما تكون هي سبب إزالته عن حكم العراق، وحتى عن وجه الأرض، بكتابة نهايته.والطغاة كثر، الكل منهم له صفحاته في التاريخ، والتاريخ لا يرحم، ولا يحابي أحدا، ولا يكذب.في مرحلة تاريخية كنا أضحية لشعارات عربية واسعة جامعة. مع الوقت اكتشفنا أنها مزيفة وليست ذات جدوى؛ لأنها بنيت على تحقيق النفعية لكثير من الشرائح والجماعات السياسية في العالم العربي. جمال عبد الناصر كان أحد أهم مؤسسي صفحات الكذب التاريخي في القاموس العربي، ولحقه من لحقه، واكتشف الجميع أن شعاراته لا تتجاوز كونها «ظاهرة صوتية».أعود للقتيل الذي شغل الأرض ومن عليها، والذي ذهب ضحية سقوط طائرة، الأنباء تقول «سقوط»، والحقيقة تخفي ما وراءها مما تخفي.في السياسة اللعب مع الكبار محظور، لا تحكمه طرق حسن النوايا. وإن كان أحد الكبار مثل «القيصر»، فذلك عواقبه لا تحسب ولا يمكن التنبؤ بها. بريغوجين تجاوز كثيرا، قد يكون أصيب بالغرور من ناحية اعتماد فلاديمير بوتين عليه وعلى مرتزقته في الحرب الدائرة مع أوكرانيا، وربما كان قربه من سيد الكرملين، فخا دفع ثمنه.المهم أن القول المنطقي يشير إلى أن الرجل دفع ثمن.تحول إلى كرت سياسي جاء وقت نهايته، سقط أو أسقط؛ المهم أنه ذهب ضحية جرأته على الصورة الكبرى لسيد القصر، القابع وراء الأسوار العالية، وكل ما حدث تفاصيل دقيقة في كل كبير.الباقي لا يزال ينعم بالنفوذ والصوت العالي عالميا. ومن تجرأ واتهم المؤسسة العسكرية الروسية بالخيانة، يرمى جنوده على مرقده الآن باقات الورود.بريغوجين طبخ كثيرا من السموم، والدنيا دوائر كبيرة، وطباخ السم لا بد أن يأتي عليه تذوقه في يوم من الأيام. قتل الرجل وشرد وسفك كثيرا من الدماء، تحول إلى متعهد لإزهاق الأرواح، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تكون فكرة الغدر به مستغربة أو غير منتظره على أقل تقدير.أتصور أنه يصح القول، إن السياسة ماكرة، ذات ملمس ناعم يمكن أن يضيع من يستشعر زهوها، لكنها مليئة بالعقارب والثعابين، وكثير من أعشاش الدبابير، هذا الواقع وليس حديثا مرتبطا بالتنظير، إنها فخ كبير داخله مفقود وخارجه مولود، في حال أن اقترب من ملامسة الخطوط الحمر.سأعود إلى ما كتبت عن وجه الشبه بين الرجلين.بريغوجين وصدام حسين؛ فبالنظر إلى السجل التاريخي لكل منهما، سيجد المرء صفحات كثر تشترك بها هاتان الشخصيتان، اللتان عاشتا على ركام الجثث، وأدمنتا رائحة الدماء، ونياح الثكالى، وانصراف الأيتام لأزقة الجهل والضياع. فكل منهما له طريقته الخاصة، المهم أن النقطة الأخيرة، تعني «الموت».إن العالم الذي تتسيد فيه لغة القوة، والعسكرة، وهدير الطائرات المقاتلة، وأصوات المدافع، لا بد له أن يفرز هذه الشخصيات، والتاريخ شاهد على سنين ماضية، كان فيها «هتلر وستالين» أسياد العالم في شهوة الحروب والبحث وراء سفك الدماء، والتاريخ يعيد نفسه، لكن الشخوص تختلف؛ لذا يمكن لنا اكتشاف وجه الشبه، بين بريغوجين؛ وصدام حسين.كتبت هذا المقال بالحبر السائل، وكتبوا تاريخهما بالدم.