العالم

لماذا يعودون إلى جحيم كيم؟

جندي أمريكي هارب يلفت أنظار العالم إلى كوريا الشمالية ونظامها المثير للجدل

صورة الجندي الأمريكي برايفت ترافيس على شاشة تلفزيون سول (مكة)
بعيدا عن الصواريخ النووية والتهديد المتواصل للعالم، عادت كوريا الشمالية لتتصدر عناوين الأخبار مرة أخرى، بعدما عبر جندي أمريكي إلى الجانب الكوري من المنطقة منزوعة السلاح، وزعمت وسائل الإعلام هناك أن المواطن الأمريكي يريد البقاء في كوريا الشمالية «أو في دولة ثالثة» بسبب «سوء المعاملة غير الإنسانية والتمييز العنصري داخل الجيش الأمريكي».

وتعتبر محللة شؤون كوريا الشمالية في موقع «ذي إنتبريتر» غابرييلا برنال العودة للجحيم الذي تعيشه كوريا الشمالية في ظل حكم الدكتاتور كيم جونج أون، حدث يهز العالم من جديد تجاه النظام الذي أثار الزوابع في العالم كله، خصوصا بعدما سمحت حكومة كوريا الشمالية لمواطنيها بالعودة إلى وطنهم سول في حادثة تاريخية.

تمرد أمريكي

عبر الجندي برايفت ترافيس تي كينغ الحدود إلى كوريا الشمالية «عن عمد وبدون تصريح» في 18 يوليو، بعد يوم واحد من إطلاق سراحه من مركز احتجاز في كوريا الجنوبية، وبدلا من ركوب الطائرة للعودة إلى الولايات المتحدة، تجول كينغ في المنطقة المنزوعة السلاح واندفع عبر الحدود قبل أن يتمكن أي شخص من إيقافه.

وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الأسبوع الماضي أن «ترافيس كينغ اعترف بأنه قرر القدوم إلى جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية؛ لأنه كان يكن مشاعر سيئة تجاه سوء المعاملة غير الإنسانية والتمييز العنصري داخل الجيش الأمريكي»، مضيفة أن كينغ «أعرب عن استعداده لطلب اللجوء في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية أو في دولة ثالثة».

ليس الوحيد

ولا يعد الجندي الأمريكي الوحيد الذي انشق إلى الدولة المنعزلة، ففي 1962، عبر الجندي في الجيش الأمريكي جيمس جوزيف دريسنوك المنطقة المجردة من السلاح إلى الشمال وانتهى به الأمر بالعيش في البلاد حتى وفاته سنة 2016، حتى إنه ظهر في العديد من الأفلام الكورية الشمالية.

انشقاق كبير

تشمل الأمثلة الأخرى لاختيار العيش في كوريا الشمالية التي يحكمها نظام ديكتاتوري، تشارلز روبرت جنكينز الذي انشق إلى الشمال سنة 1965، وجوزيف تي وايت الذي انشق سنة 1982، كان جميع هؤلاء جنودا أمريكيين متمركزين في الجنوب، لكن قصص الأشخاص الذين انشقوا إلى الشمال غير شائعة، ووفق إحصاءات كوريا الجنوبية، العكس هو الطبيعي، حيث انشق ما يقرب من 34 ألف كوري شمالي إلى الجنوب، في حين عاد 29 فقط إلى الشمال، بالرغم من أن عددا قليلا جدا من الكوريين الشماليين الهاربين ينتهي بهم الأمر بالعودة إلى وطنهم، لا يعني هذا أن جميع الذين بقوا في الجنوب راضون عن حياتهم الجديدة. ويواجه العديد من الكوريين الشماليين الهاربين تحديات لا حصر لها تتراوح بين الاندماج في مجتمع حديث سريع الوتيرة وصعوبة العثور على وظائف مستقرة وتغطية نفقاتهم. حسب مسح أجري سنة 2022 ونشره مركز قاعدة البيانات لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية، يكسب الكوريون الشماليون المنشقون نحو 74.4 في المئة من متوسط دخل الموظفين الكوريين الجنوبيين.

غرباء الوطن

كثيرا ما يتعرض المنشقون للتمييز، حيث أظهر استطلاع سنة 2017 أن ما يقرب من نصف جميع المنشقين الذين يعيشون في الجنوب شعروا بالتمييز بسبب وضعهم الاقتصادي، أو مستواهم التعليمي أو منطقتهم الأصلية. وينظر العديد من الكوريين الجنوبيين إلى نظرائهم الشماليين على أنهم «آخر على المستوى الثقافي»، ويتسامحون على مضض مع وجودهم في حين أنهم لا يقبلونهم أبدا كعضو «طبيعي» في المجتمع. بالرغم من تقاسم التاريخ واللغة والعرق والتقاليد، غالبا ما يشعر الكوريون الشماليون بأنهم «غرباء في أرض غريبة» بمجرد دخولهم كوريا الجنوبية.

بين الندم والخداع

وقال 18.8 % من المنشقين الذين شملهم استطلاع مركز قاعدة البيانات لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية «إنهم فكروا في العودة إلى الشمال»، وأظهر استطلاع آخر نشره في السنة نفسها معهد جامعة سيول الوطنية لدراسات السلام والتوحيد أن 18.5 % من المنشقين الكوريين الشماليين أعربوا عن «ندمهم» على الانتقال إلى كوريا الجنوبية، وأرجعوا ذلك إلى أسباب عديدة، بينها الرغبة في رؤية العائلة والأصدقاء وصعوبة الاندماج في المجتمع الكوري الجنوبي والمعاملة غير العادلة والحاجة إلى دعم عاطفي أكبر.

خداع وندم

ويعد الافتقار إلى مجتمع في الجنوب سببا خاصا وراء تفكير بعض المنشقين في العودة إلى وطنهم، وثمة أيضا حالات تم فيها خداع المنشقين من قبل وسطاء يصورون كوريا الجنوبية على أنها أرض الفرص والثروة، وقد طالب هؤلاء الكوريون الشماليون بإعادتهم إلى الشمال بمجرد أن أدركوا واقع العيش في الجنوب.

ويؤكد الاستطلاع أن حالتي كيم ريون هوي (48 عاماً) وكوون شيول نام (44 عاما) تندرجان ضمن الفئة الراغبة في العودة إلى الجحيم، وبالرغم من أن الإحصاءات الرسمية تحدد فقط 29 من المنشقين العائدين، من المرجح أن يكون هذا الرقم أعلى بكثير بما أن مكان نحو 900 منشق كان مجهولا بحلول سنة 2017.

ولا يعود جميع المنشقين إلى الشمال عن طيب خاطر، حيث يعود البعض وفق الكاتبة لأن عائلتهم في خطر أو بسبب الديون الثقيلة. ويتم توقيف آخرين وإعادتهم بالقوة. وهذا الاحتمال الأخير شائع بشكل خاص في الصين، حيث تنشط السلطات الكورية الشمالية بشكل كبير في المناطق الحدودية لاعتقال المواطنين الكوريين الشماليين، وكثيرا ما يكون ذلك بالتعاون مع السلطات الصينية، وفي الواقع، طلبت وزارة التوحيد في كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي تعاون الصين في عدم إعادة الكوريين الشماليين الذين تم القبض عليهم في الصين بعد فرارهم من الشمال.

أرقام الهاربين


  • 34 ألف كوري شمالي إلى الجنوب


  • 29 شخصا من كوريا الجنوبية إلى الشمالية


  • 4 جنود أمريكيين إلى كوريا الشمالية


  • %18.8يريدون العودة للشمال


  • %18.5شعروا بالندم لهروبهم