الرأي

أهمية الاستعانة بمحام

عبدالله قاسم العنزي
بلا شك، إن المحاماة بوصفها أحد أقدم المهن المعترف بها منذ القدم، تقوم على أصول منطقية وأسس علمية.

وليس بمقدور الكافة الإلمام بعلومها المعقدة والمتداخلة، لذلك فإن أي إنسان مهما كانت شهادته العلمية أو خبرته الحياتية، إذا تعرض لمشكلة قانونية ولو كانت سهلة وبسيطة، فإنه عادة ما يعجز عن مواجهتها بنفسه، ويعتمد دائما على الاستعانة بمحام متخصص في المشكلة التي تواجهه ليمثله بشأنها أمام القضاء.

ذلك أن الحق مهما كان واضحا في القضية، والقاضي مهما كان عادلا في فصله بين الخصوم، فإن سير القضية أمام القاضي في جميع مراحلها المختلفة تخضع لإجراءات وضوابط قانونية لا بد من الالتزام بها، ولا يحيط بها علما سوى من تعلم أصولها وتمرس على تطبيقها في ساحات القضاء.

لذا، فإنه قد يحدث أن يخسر المرء القضية برمتها، لا لشيء إلا لوجود خطأ منه في الإجراءات.

فالقاضي يحكم عادة في القضايا بين الخصوم بكل حيدة وتجرد، وفقا لأحكام القانون، دون أدنى ميل أو تحيز لأحد الخصوم على حساب أحد، فهو قاض وليس محاميا، لذلك فهو ليس من مهمته الدفاع عن خصم إذا أهمل ذلك الخصم أو قصر في الدفاع عن مصالحه.

كما أن القاضي وقته ثمين، لذا نجد أن القاضي لا يسمع من الخصوم إلا ما هو منتج في الدعوى، فلا يسمح للخصم بكل كلام يريد أن يقوله أمامه، وإنما يأذن له بالكلام الذي يرى مقتضى لعرضه أمامه حسب تقديره، أو بالكلام الذي يطلبه منه القاضي أو يمس حقه في الدفاع عن موضوع قضيته دون إسهاب، الأمر الذي قد يتصور معه أن يفقد المتقاضي شخصيا القدرة أصلا على الكلام في القضية المطروحة أمام القاضي، لأنها تعالج أمرا لا علم له به، أو يصعب عليه تحديد المنتج فيها من الكلام إن كان لديه علم بشأنها، ومن ثم قد تضحى القضية بلا دفاع، أو يكون دفاع الخصم بنفسه فيها باهتا وضعيفا، بل كثيرا ما نسمع عن قضايا يذكر فيها المتقاضي أقوالا ضد مصلحته، دون أن يعلم أثر هذه الأقوال على مصلحته، فيضر نفسه بنفسه! وهو لا يدري، رغم أنه قد يكون هو الخصم صاحب الحق، فيضيع بذلك حقه بيديه بسبب ضعفه في توفير الدليل المثبت لحقه، أو عجزه عن إظهار قوة الدليل المتوافر معه، أو بسبب كفاءة خصمه الذي استغل هذا الضعف، وأفلح في إلباس الباطل ثوب الحق، فعندئذ يحكم القاضي لمن يشهد له الدليل الظاهر بأنه صاحب الحق، حتى وإن كان هذا الظاهر الذي جرى إثباته أمام القاضي يخالف الحقيقة التي لا تتكشف بين يدي القاضي، ولا يفلح صاحب الحق في إثباتها أمامه، والقاضي بشر يحكم في القضايا المعروضة عليه حسب الظاهر المثبت أمامه دون أن يكون مسؤولا عما لا يعرفه من الحق المخالف لهذا الظاهر، ويكون حكمه مبنيا على ذلك الظاهر ولوكان مخالفا للواقع عنوانا للحقيقة، دون أن يكون عليه في حكمه أي مطعن قانوني أو مأخذ شرعي.

ختاما، جاء في الحديث: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار.

expert_55@