الرأي

مأساة يرويها ضحية

عبدالله سعود العريفي
في صبيحة يوم قائظ، والشمس ترسل أشعتها وقد اشتعل لهيبها وتوهج أجيجها وتوقد فتيلها، وبينما الأبدان في تعطش إلى رياح لينة لا تحرك شجرا ولا تعفي أثرا لتلاطفها وتسكن من حرارتها، دخل إلى أحد المحلات التجارية رجل مسن قد أقبل على عقوده الأخيرة مرتديا ثوبا ضاع بين بياض وصفرة، متحسسا عرقا منسكبا وهو يحك شعره الذي أضاءه البياض وقد بدت على وجهه آثار السنين وظهرت عليه تجاعيد تشكو شدة أوجاع وتعاني قسوة آلام؛ فكل خط من خطوط الزمن على وجهه يحكي قصة عصيبة مر بها ويشير إلى كثرة هموم رافقته وقد بدت عليه مشاعر حزينة تريد أن تسرق من قلبه الطيبة التي تشع من عينيه، طالبا ونظراته جامدة تنطق إباء وأنفة سلفة ليشتري سلعة لا يتجاوز ثمنها بضعة ريالات قد أصبح في حاجة ماسة إليها ملتمسا المعذرة ومبديا ندمه ومتحسرا على ما فقده ومبينا أنه قد تعرض لعملية نصب واحتيال تم فيها أخذ كل ما لديه من مال عن طريق (الإنترنت).

لا شك أنه مع نمو المعاملات المالية والتجارية عبر الوسائط التقنية ومع ذلك السيل المتسارع والموج الكاسح من تطور وسائل الاتصال وتبادل الرسائل والذي يتم بسرعة عالية وبدون فواصل أو موانع أو حواجز أصبح المستخدم اليوم في جميع أنحاء العالم أمام تحديات جديدة في مجال التعامل مع التقنية من خلال الاستعمال السليم والصحيح والإيجابي لها؛ فامتلاك الوسائل التقنية الحديثة لا يعني بالضرورة الاستخدام الأمثل لها مما يسبب للبعض من المستخدمين حالة من عدم التوافق مع التطور الرقمي نتيجة عدم إتقان استعمال الوسائل الحديثة استعمالا مثاليا وإيجابيا.

وقد انتشر مفهوم جديد لم يكن موجودا من قبل للنصب والاحتيال وهو ما تمت تسميته بالاحتيال الالكتروني والذي يعني أي نوع من أنواع الخدع أو الحيل عبر الشبكة العنكبوتية وهو أحد أنواع النصب المتنوعة وأشكال الاحتيال المختلفة بقصد أخذ أموال الآخرين بطرق غير مشروعة عبر (الإنترنت) وما يتصل به من برامج مختلفة مما قد يؤدي إلى ضياع الأموال وفقدانها وبالتالي الوقوع في خسائر مالية كبيرة، وقد تطورت أساليبه بصور متلاحقة وتعددت أنماطه بطرق متنوعة؛ فأصبحت تشكل ترويعا فعليا وتخويفا واقعيا وتهديدا حقيقيا للعديد من فئات المجتمع ومنها فئة كبار السن؛ فيقوم أولئك المحتالون في مختلف أنحاء العالم باستخدام أساليب متعددة لاستهدافهم حتى صار ذلك يمثل تهديدا كبيرا وخطرا حقيقيا على الأمن المالي لبعض كبار السن، لذا فإن رفع درجة الوعي وزيادة مستوى الفهم والإدراك بتلك المخاطر وتحقيق الحماية الشخصية وتركيز الانتباه في هذا الموضوع وإجراء كشف ومراجعة وتدقيق وتفقد لأمان أجهزة حواسيبهم الشخصية المخصصة للعمليات والتعاملات المالية الالكترونية صار ضرورة ملحة.

من واجب أبناء كبار السن وأحفادهم تذكيرهم بشكل دائم إلى ما يستجد من أساليب الاحتيال الالكتروني التي تتبدل بصورة مستمرة وغير متوقعة، ويكون ذلك التذكير بدون التقليل من قدرهم أو إثارة انتباههم بأنهم غير قادرين وإنما توصيل رسالة لهم بطرق مناسبة وبأساليب صحيحة وبوسائل ملائمة بأن هناك لصوصا وعصابات من المجرمين تقوم بعمليات نصب واحتيال للاستيلاء على أموال الآخرين وسرقتها بطرق احترافية لا يعلمها الكثير مما قد يؤدي إلى الوقوع في هفوات وعثرات وغلطات قد ينتج عنها مأساة يرويها ضحية.