لماذا يبدو الأطفال سعداء!
الاثنين / 27 / محرم / 1445 هـ - 20:55 - الاثنين 14 أغسطس 2023 20:55
فعلا لماذا يبدو الأطفال سعداء؟ وهل يمكننا الاستفادة من سعادتهم لنقل هذه التجربة لنا؟ لماذا نبدو أكبر عقلا من الأطفال لكنهم أكثر فرحا منا؟ ولماذا تبدو الحياة في عيونهم جميلة ويحبونها بينما لا نحب الحياة ونكاد نجزم بأن الحياة هي الأخرى لا تحبنا؟ لماذا الأطفال يعقدون صداقات قوية مع الحياة اليومية مع الأشجار والماء واللعب والفرح بينما صداقاتنا قوية مع الهموم اليومية ونتجاهل مباهج الحياة ولا علاقة وطيدة بيننا وبين والفرح؟
إن أبرز نقد لهذا الحديث أن الأطفال لا يعيرون الأمور الأكثر جدية اهتماما أو أننا نهتم بهم فهم يأخذون من الحياة زهرتها، وأنهم غير مسؤولين عن الرزق وطلب المعاش، بينما يمكن الحوار مع هذه النقاط لنسلم لما لا نستطيع الفكاك منه، ونغير ما نستطيع كأن نتخلى عن المفهوم الذي يسيطر على أذهاننا لتبدو حياتنا – كالأطفال – أكثر مرحا وحبا لها، يمكننا القول بأن حياة الأطفال مدرسة، لكننا فشلنا في التعلم منها، ويوجد جانب في حياة الطفل يمكنه أن يضيء حياة البالغين، فلماذا نقلل من مواهب الطفل ولا نستفيد منها، يبدو لي أن حياة الأطفال فرص لا تتكرر!
لنبدأ من حيث الطفل، لماذا هو في سعادة دائمة وحزن مؤقت قابل للرحيل، فالطفل متجاهل بطبعه، يتجاهل كل ما لا يحبه، يقوم بطريقة غريبة للغاية بعدم الاكتراث لكل الأشياء التي لا تمنحه الفرح، وهو مخلص جدا لهواه، فلذلك تجده يركز على الهدف (لعبة – مرح) ويتجاهل كل ما لا يحبه، ليس هذا فحسب، بل إنه يعود للأشياء التي افتقدها بعد فترة بدون أي لوم لنفسه أو ضميره أو الآخرين من حوله، فهو يستجيب لهواه، يتجاهل الماضي أيضا، فلا يؤثر فيه ما حدث سابقا إلا قليلا وهو يتجاهل بشكل تام المستقبل، ولعل هذا يجعل تفكيره أبيض سليما معافى وحياته النفسية مستعدة بشكل كبير جدا للفرح، وسؤالي: ماذا لو تجاهلنا قليلا المستقبل، ذلك المستقبل الذي لا نستطيع السيطرة عليه أو تغييره، ذلك المستقبل الذي لا نملك أي علاقة معه إلا الهم لا التبديل، ألا تتحسن رؤيتنا للحياة؟!
الطفل ينسى، والنسيان نعمة الله التي يمحنها للناس، لا يشعر بها إلا ذوو الذاكرة القوية، الطفل ينسى ألم الأمس، فلا يعيره اهتماما ولا يشغل باله باحتمال عودته إليه، بل ينسى سقوطه ليقوم من جديد ليمشي، وينسى فشله في تناول حبل فيعيدها مرات ومرات، وينسى أن يأكل في خضم الفرح، فيعود للأكل في خضم الجوع لينسى اللعب، بل إن ذاكرة الطفل انتقائية بشكل مذهل وغريب، فهو ينتقي الفرح، وينتقي ما يسعده من الأشياء التي إن كررها شعر باللذة، فلماذا لا ننسى كالأطفال، لماذا تسيطر علينا ذاكرتنا كما لو كانت عقاب مسلطا علينا لا عون لنا، لماذا تجلدنا ذاكرتنا ونحن كمن يتلذذ بالذاكرة المؤذية، ولماذا ذاكرتنا انتقائية بشكل مؤسف وعكسية لذاكرة الطفل، فنتذكر الألم ولا نحب لحظات الفرح، بل إننا نتذكر لحظات الفرح كما لو كانت سوطا على أجسادنا، فنقول لماذا أنا حزين اليوم ولست فرحا مثل أمس، أمس كان أجمل، فتبدو الذاكرة (حتى في تذكر لحظات الفرح) مؤذية، لماذا لا تصبح ذاكراتنا مثل الصلصال في أيدينا، نتذكر ما نحب تذكره – كالأطفال – ونهجر ذلك الجزء من الذاكرة الذي يحزننا ككبار!
في عالم الطفل الصغير، لم تتشكل الأنا، والأنا الآخر بوضوح لأنه لم يكتمل نموه الجسدي والعقلي، وبهذه يكون متخلصا من كل مشاعر اللاشعور، أو مشاعر الألم الدائم والأمراض النفسية كالحقد والحسد والألم النفسي، وقد يحدث له بعض هذا ولكن يزول بسرعة البرق بمجرد أن يتغير المشهد حوله، وجدير بالكبار تضمير هذه الآفات النفسية التي قد تعيق روحه وحياته النفسية!
ستبقى الدهشة والمدهش هما محفزات الطفل الصغير، وسيبقى الأمل بالحصول على المدهش هو ما يجعل الطفل متحفزا طوال يومه، ويصنع الطفل الدهشة خلال يومه، فهو يجعل من الرمل قصرا ومن العود طائرة، ومن الماء بحرا ومحيطا ومن القصة الصغيرة رواية فنتازية مثيرة، وهذه الدهشة هي قوام استيقاظه من نومه ليبدأ من جديد، فهو متحفز بدهشة منقطعة النظير نحو الفرح بأنواعه، وأيضا جدير بالكبار صناعة الدهشة، وليست الدهشة التي يتم القبض عليها فتنتهي في مهدها وليست الدهشة المادية المنهكة، بل الدهشة المعنوية ذات المعنى والمغزى في الحياة، فما يقارع دهشة الإحسان والآخرين؟ وما هو أكثر تحفيزا من مساعدة الناس والعطف عليهم، وما هو أكثر معنى من الحياة إن كانت الحياة تقوم على معاني أصيلة كالكرم والعون واللطف والصبر الحلم على الآخرين دون أن تنسى نفسك!
والطفل الصغير يحقق كل يوم نجاح باهر، وبعد كل نجاح يليه نجاح فالحبو نجاح يبهجه، وبعد الحبو يمشي فيسعد بالمشي كما لو أنه عصفور يطير، ثم يبدأ يدعي القفز وهو لا يقفز ومع هذا تنتهي المحاولات بالقفز فعلا فيفرح بالنجاح الجديد، وهكذا تستمر الحياة في حياة الطفل لا يصيبه الملل، والنجاح لديه ليس معنون بمال أو تملك، بل عنوانه يصنعه بنفسه بما يسره، وما يؤذ الكبار الآن أن نجاحاتهم محصورة بالمال، بالتملك بالشهوة، ولو فتح النجاح على مصراعيه لرأى أن النجاح شيء يشبه الحدث اليومي الذي ينجزه، فالنجاح أسرة صغيرة سعيدة، والنجاح أصدقاء لا ضغائن بينهم، والنجاح يوم يمضي بلا حزن يذكر، والنجاح أن تكبر دون أن تكبر معك الآمك، وأن تهرم ولا تهرم حكمتك وحنكتك.
وصن ضحكة الأطفال يارب إنها
إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ويارب حبب كل طفل فلا يرى
وإن لجّ في الإعنات وجها مقطبا
- بدوي الجبل
Halemalbaarrak@
إن أبرز نقد لهذا الحديث أن الأطفال لا يعيرون الأمور الأكثر جدية اهتماما أو أننا نهتم بهم فهم يأخذون من الحياة زهرتها، وأنهم غير مسؤولين عن الرزق وطلب المعاش، بينما يمكن الحوار مع هذه النقاط لنسلم لما لا نستطيع الفكاك منه، ونغير ما نستطيع كأن نتخلى عن المفهوم الذي يسيطر على أذهاننا لتبدو حياتنا – كالأطفال – أكثر مرحا وحبا لها، يمكننا القول بأن حياة الأطفال مدرسة، لكننا فشلنا في التعلم منها، ويوجد جانب في حياة الطفل يمكنه أن يضيء حياة البالغين، فلماذا نقلل من مواهب الطفل ولا نستفيد منها، يبدو لي أن حياة الأطفال فرص لا تتكرر!
لنبدأ من حيث الطفل، لماذا هو في سعادة دائمة وحزن مؤقت قابل للرحيل، فالطفل متجاهل بطبعه، يتجاهل كل ما لا يحبه، يقوم بطريقة غريبة للغاية بعدم الاكتراث لكل الأشياء التي لا تمنحه الفرح، وهو مخلص جدا لهواه، فلذلك تجده يركز على الهدف (لعبة – مرح) ويتجاهل كل ما لا يحبه، ليس هذا فحسب، بل إنه يعود للأشياء التي افتقدها بعد فترة بدون أي لوم لنفسه أو ضميره أو الآخرين من حوله، فهو يستجيب لهواه، يتجاهل الماضي أيضا، فلا يؤثر فيه ما حدث سابقا إلا قليلا وهو يتجاهل بشكل تام المستقبل، ولعل هذا يجعل تفكيره أبيض سليما معافى وحياته النفسية مستعدة بشكل كبير جدا للفرح، وسؤالي: ماذا لو تجاهلنا قليلا المستقبل، ذلك المستقبل الذي لا نستطيع السيطرة عليه أو تغييره، ذلك المستقبل الذي لا نملك أي علاقة معه إلا الهم لا التبديل، ألا تتحسن رؤيتنا للحياة؟!
الطفل ينسى، والنسيان نعمة الله التي يمحنها للناس، لا يشعر بها إلا ذوو الذاكرة القوية، الطفل ينسى ألم الأمس، فلا يعيره اهتماما ولا يشغل باله باحتمال عودته إليه، بل ينسى سقوطه ليقوم من جديد ليمشي، وينسى فشله في تناول حبل فيعيدها مرات ومرات، وينسى أن يأكل في خضم الفرح، فيعود للأكل في خضم الجوع لينسى اللعب، بل إن ذاكرة الطفل انتقائية بشكل مذهل وغريب، فهو ينتقي الفرح، وينتقي ما يسعده من الأشياء التي إن كررها شعر باللذة، فلماذا لا ننسى كالأطفال، لماذا تسيطر علينا ذاكرتنا كما لو كانت عقاب مسلطا علينا لا عون لنا، لماذا تجلدنا ذاكرتنا ونحن كمن يتلذذ بالذاكرة المؤذية، ولماذا ذاكرتنا انتقائية بشكل مؤسف وعكسية لذاكرة الطفل، فنتذكر الألم ولا نحب لحظات الفرح، بل إننا نتذكر لحظات الفرح كما لو كانت سوطا على أجسادنا، فنقول لماذا أنا حزين اليوم ولست فرحا مثل أمس، أمس كان أجمل، فتبدو الذاكرة (حتى في تذكر لحظات الفرح) مؤذية، لماذا لا تصبح ذاكراتنا مثل الصلصال في أيدينا، نتذكر ما نحب تذكره – كالأطفال – ونهجر ذلك الجزء من الذاكرة الذي يحزننا ككبار!
في عالم الطفل الصغير، لم تتشكل الأنا، والأنا الآخر بوضوح لأنه لم يكتمل نموه الجسدي والعقلي، وبهذه يكون متخلصا من كل مشاعر اللاشعور، أو مشاعر الألم الدائم والأمراض النفسية كالحقد والحسد والألم النفسي، وقد يحدث له بعض هذا ولكن يزول بسرعة البرق بمجرد أن يتغير المشهد حوله، وجدير بالكبار تضمير هذه الآفات النفسية التي قد تعيق روحه وحياته النفسية!
ستبقى الدهشة والمدهش هما محفزات الطفل الصغير، وسيبقى الأمل بالحصول على المدهش هو ما يجعل الطفل متحفزا طوال يومه، ويصنع الطفل الدهشة خلال يومه، فهو يجعل من الرمل قصرا ومن العود طائرة، ومن الماء بحرا ومحيطا ومن القصة الصغيرة رواية فنتازية مثيرة، وهذه الدهشة هي قوام استيقاظه من نومه ليبدأ من جديد، فهو متحفز بدهشة منقطعة النظير نحو الفرح بأنواعه، وأيضا جدير بالكبار صناعة الدهشة، وليست الدهشة التي يتم القبض عليها فتنتهي في مهدها وليست الدهشة المادية المنهكة، بل الدهشة المعنوية ذات المعنى والمغزى في الحياة، فما يقارع دهشة الإحسان والآخرين؟ وما هو أكثر تحفيزا من مساعدة الناس والعطف عليهم، وما هو أكثر معنى من الحياة إن كانت الحياة تقوم على معاني أصيلة كالكرم والعون واللطف والصبر الحلم على الآخرين دون أن تنسى نفسك!
والطفل الصغير يحقق كل يوم نجاح باهر، وبعد كل نجاح يليه نجاح فالحبو نجاح يبهجه، وبعد الحبو يمشي فيسعد بالمشي كما لو أنه عصفور يطير، ثم يبدأ يدعي القفز وهو لا يقفز ومع هذا تنتهي المحاولات بالقفز فعلا فيفرح بالنجاح الجديد، وهكذا تستمر الحياة في حياة الطفل لا يصيبه الملل، والنجاح لديه ليس معنون بمال أو تملك، بل عنوانه يصنعه بنفسه بما يسره، وما يؤذ الكبار الآن أن نجاحاتهم محصورة بالمال، بالتملك بالشهوة، ولو فتح النجاح على مصراعيه لرأى أن النجاح شيء يشبه الحدث اليومي الذي ينجزه، فالنجاح أسرة صغيرة سعيدة، والنجاح أصدقاء لا ضغائن بينهم، والنجاح يوم يمضي بلا حزن يذكر، والنجاح أن تكبر دون أن تكبر معك الآمك، وأن تهرم ولا تهرم حكمتك وحنكتك.
وصن ضحكة الأطفال يارب إنها
إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ويارب حبب كل طفل فلا يرى
وإن لجّ في الإعنات وجها مقطبا
- بدوي الجبل
Halemalbaarrak@