الرأي

الإعلام الحديث ما بين الواقع المؤسف والمستقبل المحتمل

زينب الغامدي
عند العودة بالزمن إلى حقبة التسعينات وما قبلها وحتى بداية الألفية، يظهر لنا شكل الإعلام التقليدي الذي اعتدنا عليه قارئين ومشاهدين ومستمعين، فبدءا من المحتوى الإعلامي الهادف الذي يحترم عقلية المتلقي ويتماشى مع الذوق العام، ومرورا بالقواعد المحددة وذلك الإطار الذي يجب الالتزام به أثناء الطرح، وانتهاء بالصفات والمهارات والقدرات اللغوية التي لابد أن يمتلكها الإعلامي، تتألق في ذاكرتنا أسماء إعلامية مخضرمة كانت ولا تزال أيقونة الإعلام، واضعين مصلحة المتلقي فوق أي اعتبار.

واليوم، في السنوات العشر الأخيرة، تشكل الإعلام في حلته الجديدة، -ولست هنا ضد الحداثة والتطوير والتقدم الذي يصب في مصلحة الجميع-، ولكن أصبح من الصعب جدا تحديد المحتوى الإعلامي الصالح للمشاهدة أو الاستماع، وتصنيفه تحت فئة محددة، والأصعب إيجاد إعلامي مؤهل لمواجهة الكاميرا أو المذياع والتحدث إلى ملايين المشاهدين.

فبعض من محتوانا الإعلامي الرائج يمكن تسميته بالمحتوى «الترفيهي الهش» الذي يتجاوز قيم المجتمع ويتمحور حول قضايا السوشيال ميديا واستضافة «التيك توكرز والبلوغرز اليوتيوبرز» لمناقشة القضايا السياسية والدينية والاجتماعية والمالية والرياضية والخوض في حوارات سطحية وطرح حلول وإرشادات وفتاوى بهدف تعزيز بعض الأفكار وتشويه أخرى. فما يحدث هو تضليل إعلامي بحت لمصطلح الرفاهية والحرية وتلويث فكري للتشكيك في حقوق الأفراد والترويج لمفاهيم ونماذج وسياسات معينة وتنظيرها على أنها تدعم رفاهية الفرد وحريته، هذا التنظير يسبب تشوها معرفيا لدى شريحة معينة من الجيل الناشئ والمراهقين الذين لديهم انفتاح لاستقبال كل ما يعترضهم عبر وسائل الإعلام.

كما أن مهنية بعض الإعلاميين تكاد تكون منعدمة، إذ أصبح معظمهم يتبادل الإساءات والعبارات غير اللائقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع المتابعين بعد انتهاء برامجهم التلفزيونية أو الإذاعية، مما يثير قلق المشاهد والمستمع حيال ما يراه من انعدام بالمهنية.

فليس كل من لديه «كاريزما» و»وجه حسن» و»ابتسامة جذابة» و»حد أدنى من الثقافة في مجال ما» مؤهلا لمخاطبة الجمهور والتواصل معهم، وهو لا يتبع معايير وأخلاقيات المهنة، ولا يمتلك مهارات التواصل مع الجمهور، ويتصف بضعف الأداء اللغوي وسلامة النطق، ويلجأ للمفردات غير المناسبة كعملية جذب وتأثير بفئة معينة.

يؤسفنا القول بأن إعلامنا الحديث قد بدد بعضا من القيم والمبادئ الإعلامية التي عرفنا بها في الماضي، ولذلك يجب تحسين هذه الحالة من خلال تقديم دورات مستمرة للإعلاميين لتعزيز الهوية الثقافية وتطوير مهاراتهم الحوارية أمام الملايين من المتابعين عبر الشاشات والإذاعات.

كما ينبغي تعزيز قدراتهم اللغوية واحترام ذائقة المشاهدين، ومراجعة المحتوى المطروح وانتقاء الضيوف المتحدثين المتخصصين في مجالهم بعناية لتقديم محتوى مؤثر ذي جودة وقيم يحترم عقلية الجمهور دون تلاعب أو تشويه أو تضليل، محتوى يستوحي من حقبة الإعلام التقليدي العديد من الأفكار والمبادئ لتحسين جودة الإعلام وتعزيز تأثيره الإيجابي على المجتمع في الحاضر والمستقبل.