الرأي

اقتصاد اليوجا والدور الريادي للهند عالميا ومحليا

سعد باسلوم
نشأت اليوجا في شبه القارة الهندية كممارسة قديمة وأصيلة، وتكونت في هذا الجزء من العالم وخرجت من حدود شبه القارة إلى أن أصبحت من أكثر الممارسات شعبية في جميع أنحاء العالم، في الوقت الحاضر يمارس ملايين من الأشخاص وربما تجاوزوا المليار اليوجا كممارسة ذهنية تضفي كثيرا من التوازن وصفاء الذهن ونقاء النفس وكوسيلة لضبط الذهن والعقل والجسم، لا تحتاج عزيزي القارئ إلى إخبارك أن اليوجا جعلت الهند تتربع على موقع صدارة العالم في هذا الصدد كونها البلد المؤسس والمنشئ الأصلي لهذه الممارسة، تلك الصدارة تتمثل في رغبة السياح سواء كانوا السياح العاديين أو الطبيين في زيارة الهند والاستمتاع بتلك الممارسة وتقاليدها الأصيلة في عبق تاريخ هذه الأرض أو الانتشار الكبير لمراكز اليوجا ومراكز التعليم التي تحصل كثير منها على اعتمادات من خلال المؤسسات الحكومية الهندية باعتبارهم هم المعلمون الأوائل والمانحون لموثوقية تلك الممارسات واعتمادها في جميع أنحاء العالم، إلى جانب الاقتصاد الضخم والتأثير الكبير الذي تتشارك فيه اليوجا مع روافد الطب التكميلي الأخرى في الهند كأحد مصادر الدخل القومي لبلاد الأفيال.

تتمتع ممارسة اليوجا في الهند بتاريخ طويل وغني، وقد لعبت دورا أساسيا في ثقافة البلاد وتقاليدها وروحانياتها، في السنوات الأخيرة تخلت الهند عن ربط اليوجا بالديانة البوذية فبرزت اليوجا كرافد مهم في اقتصاد الهند، لاسيما عندما سلطت الضوء على السياحة المرتبطة باليوجا كرياضة وصادرات منتجات اليوجا المتنوعة، وإنشاء مدارس ومعاهد اليوجا محليا وعالميا. في هذا المقال، سوف نستكشف الدور الرائد الذي تلعبه الهند في اليوجا محليا ودوليا وتأثيرها على الاقتصاد الهندي.

تاريخ اليوجا في الهند

اليوجا هي أحد أقدم الممارسات في تاريخ الهند، حيث إنها تضرب بجذورها تاريخيا لأكثر من عشرة قرون من الزمان، إذ إن الذكر الأول في التاريخ الهندي منذ بدأ التدوين آنذاك يعود إلى حوالي 1500 عام قبل الميلاد وكانت تعرف باسم «الفيدا» - هكذا كان ذكر اليوجا في النصوص الهندية القديمة -، مع الإشارة إلى أن الفيدا / اليوجا على أنها طريقة حياة تهدف إلى تحقيق الانسجام والتوازن للجسد والعقل والروح، وعلى مر القرون، تطورت اليوجا إلى أشكال وأنماط مختلفة، بما في ذلك: هاثا يوجا، ويوجا أشتانغا، وكونداليني يوجا، ويوجا إينجار.

الريادة العالمية

في الواقع فإن الهند ترى أنه ولا بد أن تكون هي المركز والمحور لكل ما يتعلق بممارسات اليوجا على مستوى العالم، حيث إن الحكومة الهندية ومن خلال أذرع وأوجه كثيرة بطريقة مباشرة وغير مباشرة نجحت في الترويج لليوجا كطريقة وأسلوب حياة وقد ذهبت إلى توقيع بروتوتكولات ومذكرات تعاون وتفاهمات مع الكثير من بلدان العالم ومنظمة الصحة العالمية، كما أنها توجت ذلك بإنشاء وزارة آيوش AYUSH والتي تعنى بكل فروع الطب التكميلي، والتي من أحد أهم ركائزها - بطبيعة الحال - اليوجا، وتهدف إلى تعزيز أنظمة الرعاية الصحية الهندية التكميلية، بما في ذلك اليوجا والأيورفيدا والعلاج الطبيعي، الجدير بالذكر أيضا أن الهند أعلنت أن يوم 21 يونيو هو اليوم العالمي لليوجا والذي يهدف لنشر الوعي باليوجا وفوائده المختلفة وأهميتها للصحة العقلية والجسدية.

في السنوات الأخيرة، برزت الهند كمركز للسياحة العلاجية وركزت فيها على عوامل جذب تستهدف السياح بمختلف فئاتهم، وفي السياق ذاته يزور عدد كبير من السياح الدوليين الهند كل عام لتعلم اليوجا وممارستها، فاتخذت الحكومة الهندية عدة خطوات للترويج لسياحة اليوجا، بما في ذلك إنشاء مراكز تعليمية لليوجا واهتمت بتطوير البنية التحتية المتعلقة باليوجا، فأطلقت الحكومة أيضا حملة اليوجا الهندية المذهلة للترويج لسياحة اليوجا على مستوى العالم، فالهند هي موطن للعديد من مدارس ومعاهد اليوجا الشهيرة، مثل: مدرسة بيهار لليوجا، ومراكز سيفاناندا يوجا فيدانتا، ومؤسسة فن الحياة، ومؤسسة إيشا، وتقدم هذه المدارس والمعاهد العديد من دورات اليوجا وورش العمل، وتجذب الكثير من جميع أنحاء العالم.

تأثير اليوجا على الاقتصاد الهندي

كان لممارسة اليوجا تأثير كبير على الاقتصاد الهندي، فوفقا لتقرير صادر عن غرف التجارة والصناعة الهندية (ASSOCHAM) من المتوقع أن تنمو صناعة اليوجا في الهند إلى 16 مليار دولار بحلول عام 2024، ويمكن أن يُعزى نمو صناعة اليوجا في الهند إلى العوامل التالية:

1 - سياحة اليوجا، حيث إن الهند أصبحت الوجهة السياحية الأبرز لممارسات اليوجا، فهنالك العديد من السياح يسافرون إلى الهند تحديدا كل عام لتعلم اليوجا والاستمتاع بممارستها في الأجواء الأصلية لهذه الممارسة، ومع هذا النمو المتسارع في الريادة والذي أدى إلى تطوير البنية التحتية المتعلقة باليوجا وانعكس على المواطن ورفاهيته وهو كما قلنا في مقالات سابقة، العامل الأهم والأبرز في نمو أي صناعة أو اقتصاد مع وجود رؤية استراتيجية إلى جانب ذلك رفاهية واستمتاع السياح القادمين بالبلاد ورغبتهم في قضاء مزيد من الوقت للاستمتاع بأجواء البلاد وثقافتها المختلفة وزيارة المدن الثقافية والأماكن التراثية الأخرى، مما يسهم في دوران عجلة الاقتصاد في أماكن متفرقة من أنحاء البلاد، ناهيك عن أن الراحة والرفاهية وحسن الاستقبال والاستمتاع الذي يتلقاه السياح الأجانب في بلد ما، سوف يعود بنقل صورة تحكي عن تجربة متميزة، ومن هنا تكون قد صنعت تسويقا إيجابيا يجذب الكثيرين حول العالم.

2 - تصدير منتجات اليوجا، الهند مُصدر رئيس لمنتجات اليوجا، مثل حصائر اليوجا وملابس اليوجا وإكسسوارات اليوجا، فيتزايد الطلب على منتجات اليوجا على مستوى العالم، وتمكنت الهند من الاستفادة من هذا الاتجاه، فوفقا لوزارة التجارة والصناعة، زاد تصدير منتجات اليوجا من الهند من 29 مليون دولار في 2015-2016 إلى 35 مليون دولار في 2016-2017. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أنه من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى أكثر من الضعف بنهاية العام الحالي.

لغة الأرقام والأرباح تتحدث:

1 - تقدر قيمة صناعة اليوجا حاليا في الهند بحوالي 80 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو صناعة اليوجا إلى 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

2 - صناعة السياحة العلاجية في الهند، والتي تشمل أماكن ممارسات اليوجا ومراكز العافية، يقدر العائد منها بحوالي 10 مليارات دولار.

3 - الهند هي ثاني أكبر مصدر لحصائر اليوجا، بقيمة تصدير 95 مليون دولار بعد الصين.

4 - ما يقرب من مليوني سائح يزورون الهند كل عام من 78 دولة للعلاج الطبي ومراكز العافية ومراكز الطب التكميلي، إلى جانب الاستفادة المتحققة فقط من ممارسات اليوجا، ما يدره هؤلاء السياح من إيرادات على أنشطة أخرى في البلاد أثناء زياراتهم، حيث تشير التقديرات إلى أنه هنالك أكثر من 6 مليارات دولار إضافية تعود بالإيراد على مختلف الأنشطة الإضافية التي يقوم بها السياح في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن هذا الرقم سيزداد لكي يصبح 13 مليار دولار في العام 2026.

5 - أدى إنشاء اليوم العالمي لليوجا إلى زيادة عدد السياح الذين يزورون الهند لتعلم اليوجا وممارستها، ففي عام 2018 زار حوالي 87 ألف سائح الهند للأنشطة المتعلقة باليوجا، ومن جهة أخرى من المتوقع أن تخلق صناعة اليوجا أكثر من 15 مليون وظيفة بحلول عام 2025.

الآفاق المستقبلية

لا تنوي الهند التوقف عند هذا الحد فقط، بل إن مشاريعها ونواياها في التوسع وزيادة الهيمنة في هذا المجال تكشف عن خلق صناعة جديدة في السنوات المقبلة فيما يخص صناعة اليوجا أو الطب التكميلي ككل، حيث قامت بالتالي:

- تخصيص حوالي أكثر من 30 مليون دولار باعتماد من الحكومة الهندية لتطوير البنية التحتية لليوجا في البلاد.

- أطلقت وزارة آيوش عدة مبادرات لتعزيز اليوجا وأنظمة الطب الهندية التقليدية الأخرى، بتخصيص حوال 80 مليون دولار.

- في سبيل التمكين والتطوير المستمر وإدراك إمكانات صناعة اليوجا قامت الحكومة الهندية بإدراج اليوجا في مناهج المدارس والكليات، وأنشأت أيضا حدائق ومراكز لليوجا في جميع أنحاء البلاد.

- أنشأت حكومة الهند بعثة آيوش الوطنية، والتي تهدف إلى تعزيز ودمج الأيورفيدا واليوجا وأنظمة الطب الهندية التقليدية الأخرى في أنظمة الرعاية الصحية الدولية، وتم رصد حوالي 500 مليون دولار للبعثة.

تسلط هذه الأرقام الضوء على التأثير الكبير لليوجا على الاقتصاد الهندي، فبرزت صناعة اليوجا كمساهم رئيس في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وخلق العديد من فرص العمل والمساهمة في نمو صناعة السياحة الصحية أو العلاجية، حتما لقد أدركت الحكومة الهندية إمكانات إظهار موروثها وركزت على صناعة اليوجا واتخذت عدة خطوات للترويج لها، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى مزيد من النمو وتطوير الصناعة في السنوات المقبلة، وتطوير البنية التحتية بالبلاد وإقامة منتجعات متخصصة تستهدف الزوار.

ختاما، بادرت المملكة العربية السعودية بتأسيس أول لجنة متخصصة لليوجا في منطقة الشرق الأوسط، لتؤكد المملكة دوما على ريادتها في جميع الأصعدة تماشيا مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي تسير بنا فوق هام السحب، تنظم اللجنة السعودية لليوجا برامج لتأهيل الكوادر الخاصة بمجال اليوجا، وذلك لاستكشاف مواهب عديدة في هذه الرياضة، حيث حصلت المملكة مؤخرا على 5 ميداليات ذهبية و3 فضيات وبرونزية في بطولة ايفرست الدولة الثانية المخصصة لليوجا، حيث تسعى اللجنة لإدخال اليوجا ضمن المقررات في المدارس والجامعات، وهذا مما لا شك أنه سيسهم في زيادة الناتج المحلي غير النفطي من جهة كما سيوفر فرص وظيفية متنوعة فيساعد على تخفيف نسبة البطالة من جهة أخرى.

SaadBaslom@