الرأي

الخطوط السعودية.. حلم ورجاء

زيد الفضيل
في ظل ارتفاع معايير قيمة العمل المهني في قطاع الطيران، تصبح المنافسة أقوى، لا سيما لمن أراد أن يكون متميزا في خدماته، ووضع في ذهنه أن يكون ممثلا لوطنه أحسن تمثيل، ومتسقا مع حجم دولته ودورها الإقليمي والدولي.

ولا يتأتى ذلك بوجه صحيح دون توفر إرادة وتخطيط سليم، وبناء منظومة اقتصادية ناجحة وفق معايير أخلاقية بالدرجة الأولى، تستهدف تحقيق غايات جودة الحياة لعملائها احتراما لذاتها أولا، وكسبا لاحترام عملائها وولائهم المطلق، إذ من السهل أن تكسب عميلا جديدا في عالم الأعمال، لكن المحافظة عليه تقتضي منك جهدا كبيرا، وفي حال تحقيق ذلك سيكون ذلك العميل صوتا مجانيا في خدمتك، يزيد من حجمك، ويرفع منشأتك، أما إذا فقدته فتأكد أنه سيكون صوتا مناهضا لك، تحتاج إلى مقاومته للكثير من الجهد والمال.

إنها قاعدة اقتصادية يعلمها ويمارسها أبناء المهنة وارثا عن وارث، أولئك الذين اهتموا بصناعة عميل ودود تملكته الثقة بهم، والسؤال: هل تعمل الخطوط السعودية على صناعة عميل مؤمن بها وواثق في جودة خدماتها؟ وأين ترى نفسها مستقبلا في عالم قطاع الطيران المتميز؟ وهل من أهدافها أن تصبح في قمرة قيادة ذلك العالم لا راكبة في إحدى دراجاته؟

أسئلة من الواجب على قيادة الخطوط السعودية أن تتعامل معها بشفافية، وتحاول أن تجيب عليها بصدق، بعيدا عن صخب الجمل الإنشائية والتبويب الإعلاني، وفي قناعتي فإن أي مسؤول مهني سيحرص على ذلك، وسيبحث في مواقع الخلل، ويناقش مختلف السلبيات قبل الوقوف على الإيجابيات، ذلك أن الإيجاب هو المطلوب، وبلوغه ليس فضلا بقدر ما هو نتيجة لجودة تنفيذ خطة عمل متفق عليها. وبالتالي فالنظر في مختلف السلبيات والعمل على تفاديها هو النهج الصحيح لأي مسؤول حريص وتواق لبلوغ أعلى الدرجات.

في هذا السياق وعلى هذا النهج يجب أن يكون عمل الخطوط السعودية، لاسيما وأنها تنتمي لبلد كان ولم يزل له أهميته على الصعيد السياسي والاقتصادي، وصار أحد أكبر الدول تأثيرا في العالم اقتصاديا وسياسيا، وبالتالي فحري بناقله الجوي الرسمي أن يكون في مصاف الخمس الأوائل في عالم الطيران، إن لم يكن قائد قمرة القيادة فيها؛ فهل أسست الخطوط السعودية لذاتها منهجا معياريا مهنيا لبلوغ القمة بشكل حقيقي وليس إعلاميا؟

إنه الحلم وهو الرجاء الذي ينتاب كل مواطن ومحب لهذا الوطن الكريم، وليت القائمين على الخطوط السعودية يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويعملون لتحقيق معايير جودة الحياة مهنيا مع الاهتمام بتنمية الجانب الاقتصادي وزيادة أرباح ناقلهم الجوي، فالمواطن السعودي يستحق أن يكون ناقله الجوي بحجم قيمة وقوة دولته، ومن حقه أن يلمس التزام خطوط طيرانه الوطنية بمنظومة قيمية أخلاقية عالية حال تسويقها لخدماتها اللوجستية وبيعها لمقاعد الإركاب، وتسيير رحلاتها المحلية والدولية.

أشير في هذا السياق إلى أن المصداقية هي الركيزة الأكبر في بناء الثقة بين العميل والمنشأة، كما أن ارتفاع منسوب القيم في خطاب العاملين مع العميل هو الركيزة الأساسية لتوثيق عرى تلك الثقة، وهو ما تفتقد تقديمه الخطوط السعودية في بعض سمات خدماتها المقدمة للعميل، فعلى سبيل المثال تعلن امتيازا لبطاقة الفرسان الفضي أو الذهبي، ثم لا يجد العميل لها تفعيلا على أرض الواقع في عديد من الأحيان، وتُفرد قاعة خاصة بمقاعد الدرجة الأولى في صالة الفرسان الدولية ثم يكتشف العميل بأنها لا تختلف عن قاعة درجة رجال الأعمال قيد أنملة سوى أن الأكل فيها بالطلب، ناهيك أنها فارغة من كل أحد لقلة وجود الدرجة في عالم الطيران، على أن الأسوأ حين تبيع درجة الأعمال بسعر كبير ثم لا يشعر العميل بأي ميزة مقدمة له حال الإركاب أسوة بباقي الخطوط العالمية الكبيرة، ناهيك عن سوء بعض صالات (سكاي تيم) الخاصة بدرجة الأعمال في بعض المطارات الدولية. إلى غير ذلك من الأمثلة التي هي أشبه بالنقط السوداء في الثوب الأبيض، والتي يهتم لإزالتها أولا بأول المسؤول الواعي، حتى لا تتداعى وتكثر فتزيل نصاعة ثوبه الأبيض.

أخيرا، أذكر قيادة الخطوط السعودية بأن العربية عنوان أصيل في اسم منشأتهم ومرجعية مالكها، وبالتالي فمن المعيب ألا يتحدث منسوبو المؤسسة في الخارج اللغة العربية، التي يجب أن تكون هي اللغة الأولى في التخاطب، ذلك ما لاحظته في زيارتي مؤخر لتركيا، وأسفت كثيرا مقارنة بتركيا التي تعتز بلغتها ولا تتحدث إلا بها بالرغم من كثرة السياح وحاجة الأتراك لهم، لكنها تدرك بأن اللغة هوية وهي وجود، فهل يدرك قادة الخطوط الجوية العربية السعودية ذلك؟

zash113@