الرأي

متصنع الود تفضحه الشدائد

عبدالله سعود العريفي
يشتهر كثير من الآراء الموافقة للصواب، وكثير من الحكم المطابقة لما يُعد حقا وصحيحا، وكثير من العبارات الملائمة للعلم بالأشياء والتبصر بحقائق وكنه الأمور، بإشارات متعددة وعلامات متنوعة ودلالات مختلفة، منها العبارات التي تبين ما في النفوس من معان مثل: «متصنع الود تفضحه الشدائد»، وقد أصبحت شهيرة لما تحويه من قول سديد وتأثير كبير، إذ إن هذه الجملة الصغيرة المعبرة عن فكرة، والعبارة القصيرة الدالة على معنى، تحمل تحذيرا من المتصنعين والمتقلبين والمتكلفين.

هي علامة ظاهرة وإشارة جلية إلى الأشخاص الذين يتصنعون الضحكات والابتسامات الباهتة المتكلفة، وانفراج أسارير الوجوه أمام الآخرين، وفي حقيقة الأمر وواقعه لديهم قلوب ساخطة، لا تعرف أي شيء سوى الحقد والمقت والغضب، حياتهم كلها تكبر وتصنع وحمل لأنفسهم على إتيان ما يشق عليها، ويبدون للآخرين بوجوه متقلبة لا تثبت على حال أو موقف أو رأي، يسأم منهم من يشاهدهم ويتضجر منهم من يتعامل معهم، ويتبرم منهم من يرافقهم، ويمل من أرواحهم البائسة المتكلفة من يصاحبهم.

فهم يمارسون التلون والتقلب حسب الظروف والتحايل حسب الأوضاع والمراوغة حسب الأحوال، ويتلاعبون بالقلوب وكأنها لعب يتمايلون بها وأراجيح يهتزون بها من جهة إلى أخرى.

في حين أن هناك أُناسا لا يحس الإنسان معهم بحسرات النوى أو مآسي البُعد، تأنسهم النفوس وتألفهم الأرواح وتُسر لهم القلوب، ويسلكون سلوكيات وهم على سجيتهم بكل محبة وبشكل عفوي وطوعي وتلقائي، أحاسيسهم نقية وطاهرة، يجتمعون على وئام وينسجمون على إخاء لأُنسهم وسلامة نياتهم، يلاطفون ويزيلون الوحشة ويتصرفون على طبيعتهم وسجيتهم، في بساطة وتواضع ودون خبث أو مكر، يُشعرون الآخرين بالود والإحساس بالتوافق والانسجام، ويدركون أن البساطة سر من أسرار جمال الحياة، فالحياة سهلة وعيشها يسير إن رآها الإنسان كذلك؛ لكنها شديدة التعقيد إن تعامل معها بتعقيد، وهناك من يتودد ويعيش حياته متنقلا من شخص إلى آخر لمصالح ومنافع، وإذا انقضت غادر وانصرف وانتقل إلى موضع آخر، وهؤلاء لا يشعر الإنسان بحزن أو انزعاج على مغادرتهم وإنما يشعر بالغم للالتقاء بهم، لأنهم مؤذون بطبعهم ولا يحبون الخير للآخرين.

«متصنع الود تفضحه الشدائد» كلمات بسيطات، سهلات، خاليات من التعقيد، لكنها تعكس جوهر وكنه كثير من المشاعر غير الصادقة والمبنية في دواخلها على أغراض مستترة ومطالب غامضة، لا تستمر مهما ظهرت ولا تثبت مهما استمرت، ولا تستقر مهما تواصلت. ولا شك أن تفكير الإنسان بكل ما هو إيجابي وتحقيق السلام الداخلي في النفس وراحة البال، وشعوره بالهدوء النفسي وتصالحه مع ذاته وابتعاده عن الأفكار السلبية، رغم مواجهته كثيرا من المشكلات يزيد في الإنسان عندما يكون على تلقائيته وعفويته وطبيعته.

إظهار الإنسان من نفسه ما ليس فيها يفقده أشياء كثيرة. فالتكلف منغص والتصنع يجعل الإنسان يدعي أفكارا تضاد أفكاره، وآراء تخالف قناعاته ويصنع ردود أفعال في إطار منمق ونطاق مزخرف ومجال مبالغ في تزيينه، وقد يكون ذلك لشعوره بالنقص وضعف في نظرته إلى ذاته، وخوفه من مواجهة الواقع الذي يعيش فيه، وقلة ثقته في نفسه، فيهرب من هذه الشخصية التي تمنحه قدرا أقل من الاهتمام ليصطنع نوعا آخر من الطبائع السلوكية للاندماج بشكل أفضل يظنه، ولكن متصنع الود تفضحه الشدائد.