الرأي

اقتصاديات الطب الهندي

سعد باسلوم
أبحرنا في الجزء الأول من سلسلة «اقتصاديات الطب التكميلي» في الحديث عن تجربة الهند في مقالة بعنوان «التجربة الهندية في الطب التكميلي» بدءا من مرحلة الجذور التاريخية والثقافية والشعبية لهذا المجال إلى الانتشار والتوسع ومن ثم التوطيد والتأسيس الحقيقي للعلم في خطوتين بلغت بهما بلاد الأفيال أعلى مراتب الالتزام والنموذجية والجدية ليس فقط في آسيا بل في العالم أجمع بإنشاء وزارة آيوش المختصة والقائمة بكل ما يتعلق بالطب الهندي وكذلك مراكز البحوث والدراسات القائمة على التجربة والدراسة وتطوير الطب الهندي بكل مشتملاته وتقنياته والعلاجات المقدمة سواء دوائية أو استشفائية، كذلك استعرضنا التحديات التي تواجه هذا المجال وما فعلته الهند من أجل إسراع عملية التنمية والانتشار وتوسيع تطبيق مفهوم الطب الهندي محليا وعالميا.

في هذا المقال سوف نهتم أكثر بلغة الأرقام والأموال، وعن التأثيرات التي أحدثتها صناعة الطب التكميلي على العديد من الأصعدة لدى الاقتصاد الهندي، مستعرضين الأرقام والإحصائيات التي تعكس مدى فعالية هذه الصناعة ومشتقاتها وروافدها المختلفة التي جعلت الحالة الاقتصادية في تاج محل في ديناميكية وانتعاش دائم.

الأثر الاقتصادي

كان لسياحة الأيورفيدا تأثير كبير على الاقتصاد الهندي، حيث أسهمت في نمو صناعة السياحة في البلاد، حيث نمت صناعة سياحة الأيورفيدا بوتيرة ثابتة في السنوات الأخيرة، وجذبت السياح من جميع أنحاء العالم للعلاج من الأمراض بمختلف أنواعها، فكانت بعض الطرق الرئيسة التي أثرت بها سياحة الأيورفيدا على الاقتصاد الهندي كما يلي:
  1. مصدر للدخل القومي: أصبحت سياحة الأيورفيدا مصدر دخل مهم للهند، حيث تسهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بما يزيد عن الثلاثة مليارات دولار، وهذا يمثل مساهمة كبيرة في الاقتصاد الهندي المنتعش مؤخرا.
  2. خلق فرص العمل: أدى نمو صناعة الأيورفيدا إلى خلق فرص عمل للمواطنين في الهند، حيث توظف مراكز السياحة العلاجية والشركات ذات الصلة عددا كبيرا من الأشخاص، بما في ذلك ممارسي الأيورفيدا ومدربي اليوغا وغيرهم من موظفي الضيافة.
  3. تشجيع الصادرات: ساعدت سياحة الأيورفيدا أيضا على تعزيز تصدير منتجات وخدمات الأيورفيدا من الهند، خاصة الأعشاب، حيث إن العديد من السائحين الذين يزورون مراكز الأيورفيدا في الهند يشترون أيضا منتجات الأيورفيدا لأخذها معهم إلى المنزل، مما يساعد على الترويج لتصدير هذه المنتجات.
  4. تعزيز الاقتصادات المحلية: غالبا ما توجد مراكز الأيورفيدا في المناطق الريفية، مما يوفر فرصا اقتصادية للمجتمعات المحلية الخالية من المصانع، حيث ساعد نمو سياحة الأيورفيدا على تعزيز الاقتصادات المحلية، بما في ذلك من خلال خلق فرص العمل ودعم الشركات السياحية الصغيرة.
  5. جذب السياحة العلاجية: ساعدت سياحة الأيورفيدا أيضا في جذب السياح إلى الهند، حيث يزور العديد من الأشخاص الهند على وجه التحديد لتلقي العلاج أو الاسترخاء، والتي يمكن أن تساعد في تعزيز السياحة العلاجية فهي مصدر مهم للدخل للهند، وقد ساعدت سياحة الأيورفيدا أو اليوغا على تنويع العروض السياحية العلاجية في البلاد وتنوير العالم بهذا الموروث.
النجاح الاقتصادي بالأرقام

على الرغم من هذه التحديات، نجحت التجربة الهندية في جعل اقتصاد الطب الهندي إلى حد كبير، حيث نمت صناعة الأيورفيدا في الهند بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تستمر في النمو في السنوات القادمة.

وفقا لتقرير صادر عن اتحاد الصناعة الهندي (CII)، أشارت إلى أنه قد يصل السوق العالمي لمنتجات الأيورفيدا إلى 6.6 مليارات دولار بحلول عام 2020، وفى الواقع قد تخطى الحجم الفعلي للتجارة إلى أكثر من ذلك الآن، حيث يشير التقرير أيضا إلى أن السوق المحلي الهندي لمنتجات الأيورفيدا ينمو بمعدل 10-15 ٪ سنويا.

بالإضافة إلى تحقيق الدخل من خلال بيع منتجات الأيورفيدا، وفقا لدراسة أجرتها وزارة السياحة الهندية، زاد عدد السياح الذين يزورون الهند من 150 ألفا في عام 2002 إلى 500 ألف في عام 2017، وتشير الدراسة أيضا إلى أن السياحة العلاجية في الهند تدر إيرادات قدرها 3 مليارات دولار سنويا.

زادت قيمة صادرات منتجات الأيورفيدا والأعشاب الهندية من 354.68 مليون دولار في السنة المالية 2015 إلى 446.13 مليون دولار في السنة المالية 2019.

بحسب موقع Business wire، فإنه من المتوقع أن يولد سوق السياحة العلاجية في الهند 35.12 مليار دولار أمريكي في عام 2027 مقارنة بما حققه بما يقرب من 5.63 مليارات دولار أمريكي في عام 2021 من السياح الوافدين بغرض السياحة العلاجية وهذا دون احتساب المكاسب الأخرى والنشاطات الأخرى التي تنشط كالأسواق والفنادق والمطاعم والمتاحف والآثار والمعالم السياحية المرتبطة بالنشاط السياحي في العموم.

كانت تجربة الهند في تطوير مفهوم إرثها في الطب التكميلي واستغلال الجذور الأصيلة لثقافة الأيورفيدا أمرا ملهما مرورا بكل المحطات التي مرت بها من تآزر وتعاون مجتمعي ومؤسسي وخطط حكومية تحت رعايتها إلى أن وصلت لإنشاء وزارة متخصصة لها ومراكز أبحاث علمية.

انعكس هذا التخطيط والعمل الجاد في إحداث تأثير كبير على الاقتصاد الهندي، حيث أسهمت في نمو صناعة السياحة وكذلك المنتجات القائمة على صناعة الطب الهندي، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات، وتعزيز الاقتصادات المحلية، وجذب السياح، ساعدت جهود الحكومة الهندية للترويج لسياحة الأيورفيدا في جعل الهند وجهة رائدة للعلاجات والعلاجات التقليدية للأيورفيدا، ومن المتوقع أن تستمر هذه الصناعة في النمو في السنوات القادمة.

SaadBaslom@