الرأي

اتصال هاتفي!

شريف محمد الأتربي
جاء العيد ولم تعد بهجته كما كانت سابقا، فالجميع مثقل بالأعباء والمشاغل وربما المشكلات، ألهتنا الدنيا واللهث وراءها عن الشعور بالعيد كما كنا صغارا. كنا ننتظر العيد لنحضر طقوس الذبح وتوزيع الأضحية، ننتظره لزيارة الأعمام والأقارب والحصول على العيدية، ننتظره للتجمع مع أبناء الأعمام والعمات في بيتنا بالقاهرة أو قريتنا الصغيرة في أخطاب مركز أجا بالدقهلية، حيث نجتمع مع كل الأهل والأقارب في بيت العائلة، لم تكن الدنيا آنذاك مبلغ علمنا أو همنا، ودارت الأيام وتوالت السنون والعقود حتى اندثر كل ذلك وأصبح محله رسالة على وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، حتى الذبيحة صوروها وحولوها إلى استيكرات تهنئة، بل والعيدية أيضا أصبحت من الملصقات، لم تعد اللقاءات الجماعية ولا العائلية مطمعا بل أصبح مجرد اتصال هاتفي هو دعوة من دعوات وقفة عرفات.

بالأمس، كنت أقول في نفسي ما لك أيها الجوال قد صمت وأنت طوال أيام العمل مزعجني، أين هؤلاء المتصلون؟ هل اكتفوا برسائلهم التي أرسلوها، أم مع زحام الدنيا نسوا أو تناسوا أن يرسلوها؟.

أسأل نفسي: كل هؤلاء البشر الذين أعرفهم ويعرفوني على مدار عشرات السنين، ما اشتاق أحدا منهم لسماع صوتك، للدردشة معك ولو لثوان معدودة؟ ما هذه الدنيا الفانية التي تلهي الناس عن تواصلهم مع أصدقائهم أو حتى معارفهم، ليأتي اتصال أحد أبنائي الطلاب في منتصف الليل يسأل عني ويبارك لي في العيد، كأن الله أرسله لي ليطيب خاطري ويقول: لا تحزن هناك من يشتاق لك ويسأل عنك.

أغلقت المكالمة، وارتفعت روحي المعنوية، ونمت قرير العين، فهذا الاتصال ليس وراءه منفعة أو سؤال، فقط تواصل اجتماعي فقدناه منذ دخلت التقنية اللعينة حياتنا، وحين جاء الصباح خرجت لأمارس رياضة المشي، حيث أزيح عن كاهلي وبدني منغصات الحياة ليأتي في خاطري هذا المقال 'اتصال هاتفي'، إذ تخيلت أنه لو بحث كل منا في جواله عن شخص كان يجول في خاطره منذ فترة أو الآن ليتصل به ويسأل عنه، يا الله هذا الاتصال كأنه رسالة من الله إلى الطرفين: إليك أنت لتكون جندا من جنود الله الذين يدخلون السرور على نفوس البشر، والطرف الآخر الذي أراد الله تعالى أن يطيب خاطره ويقول له: لا تحزن إن الله قد سمع لك وأحس بك.

كم هي عظيمة عطايا الله تعالى عندما تأتي في وقتها المناسب. شكرا عبد الرحمن الفرحان، وشكرا لكل من أمسك هاتفه وتواصل مع صديق، أو قريب أو معلم أو زميل، أو حتى رقم بالخطأ.