الرأي

جودة الحياة الوظيفية بين عقدة ساعات العمل والتحولات التكنولوجية!

حنان درويش عابد
نشأنا على ثقافة الدوام لساعات محددة، وتغير العالم من حولنا، حيث تغيرت استراتيجيات الأعمال، وتبدلت الكثير من مفاهيم الإدارة عندما أطلت علينا الألفية الجديدة، وظهرت للعلن مؤسسات عالمية كبرى وضعت مفاهيم جديدة للأداء المهني، فتغيرت مفاهيم كثيرة حول جودة الحياة الوظيفية، وظهرت مناهج إدارية حملت أسماء مؤسسات وليست نظريات كما اعتدنا عبر تاريخ الإدارة، فمن نموذج أبل إلى نموذج فيس بوك، ثم نموذج علي بابا، وهلم جرا، تفاخرت الشركات العالمية الكبرى بمناهجها الإدارية الخاصة الجديدة، واستلهمت شركات صغرى ومتوسطة بعضا من تلك المفاهيم الجديدة قدر الإمكان، وبما يتناسب مع قدراتها المالية، فهل باتت جودة الحياة الوظيفية اليوم قضية أخلاقية بسبب بقاء ثقافة الدوام لساعات محددة هي الثقافة التي لا تزال تحكم سوق العمل، أم أن الأمر لا يمكن تعميمه، ويجب ترك كل مؤسسة تدير شؤونها بما تراه مناسبا لعملياتها التشغيلية؟

ثقافة الإنجاز التي تقابلها ثقافة ساعات العمل المحددة هما ثقافتان تبدو كل منهما وكأنها تسعى إلى إقصاء الأخرى، وهناك حالة واضحة من التصادم بين المفهومين، ويقع في وسط هذا الصراع غير المعلن قيمة جودة الحياة الوظيفية، فالفريق المؤيد لمنهج «الإنجاز أهم من ساعات العمل المحددة»، بات هو الرابح في قطاعات التكنولوجيا والعمل عن بعد، بينما لا تزال قطاعات الزراعة والصناعة تراوح مكانها غير قادرة على الدخول إلى عالم شعاره لا يهمني كم من الساعات تعمل، ولكن يهمني حجم إنجازك.

هنا تبدو لنا الصورة واضحة في أن الثقافتين لا يمكن لهما أن تلتقيا في كل القطاعات، وهذا ما جعل البعض يطرحون المسألة من زاوية أخلاقية!

الحقيقة أن لكل قطاع ظروفه، ولكل إدارة فكرها، ولكن تجدر الإشارة إلى أن كل مؤسسة يمكنها إعادة رسم سياساتها وفق متطلبات خطتها الاستراتيجية بغض النظر عن طبيعة القطاع.

والحقيقة أيضا أن ما يصلح لموظفي قطاع لا يمكن أن يتناسب مع موظفي قطاع آخر، وهذا يجعل قضية جودة الحياة الوظيفية ليست طرفا أخلاقيا من الأساس في هذه المعادلة، ففي النهاية جودة الحياة الوظيفية لا يمكن أن تكون على حساب انهيار المؤسسة واختفائها من السوق، وهكذا تصبح القضية التي يحاول بعض الإداريين طرحها حول أخلاقية الفروق في ساعات العمل بين قطاع وآخر قضية تخالف منطق الأشياء، وتحتاج إلى مراجعة نقدية من هؤلاء الإداريين للوصول إلى فهم أكثر عدالة ينتج عنه رؤية واضحة وسليمة لواقع الأعمال.

hananabid10@