الرأي

الموت حبا وولعا بما يحلمون

شاهر النهاري
من يمتلكون مليارات الأخضر، لا تعود ترضيهم حياة يطولها غيرهم، ولا بد من نسج أساطير بساط ريح ومصباح مارد مبتكر، تظل حكايته متداولة لعصور قادمة، بوضع أصول ممتنعة لاصطناع ظرافة ودهشة، والتقاط مقاطع يرسلونها عبر الإنترنت للمتابعين مفاخرين عن تميز ما يستطيعون، بإدهاش وتعجيز، فإما أن يطيروا عاليا إلى الفضاء الخارجي، ويرسلون مقاطعهم وصورهم من فوق خروم الغلاف الجوي، أو أن يتجهوا لعميق البحار، ويرسلون مشاهداتهم العجيبة لمن يتابعونهم، ببلوغ القاع، وملامسة حطام سفينة الخيال تايتانيك، التي ترقد في أغوار المحيط منذ أكثر من قرن، بكل أسرارها وأيقوناتها ولعناتها.

لم لا يعزفون بأيديهم حين يمرون بسطحها المشؤوم، تيمنا بعزف من كانوا يخففون عن الغرقى تقبل صدمة الموت؟ لم لا يقفون محاذيين لمقدمتها يتخيلون احتضان روح من يحبون؟. تكلفة الرحلة تافهة لو قورنت بصعود الفضاء كبسولة، وكل لعشقه مقياس، وثمن ومتعة وتعشق للمجهول.

الثري الباكستاني الأصل خطط لمشاركة ابنه المراهق المتحمس في تجربة يخلدها التاريخ. مشاعر أبوية تكتمل في أبهى صورها، ومنتهى الثقة والمحبة من عين مراهق لمن هيأ له ذلك، و»سلفي» سيطوف أطراف مليارات الأعين.

غواصة رقائق كربونية تخترق المستحيل، وتغوص لما يقارب أربعة آلاف متر تحت مياه المحيط، وبأربعمئة ضعف الضغط على سطح الأرض.

ما معنى أن تغوص لمجاهل الأعماق، التي تتهيب الغواصات الذرية بلوغها؟، وما معنى أن تكتشف عجائب المحيطات من عمالقة كائنات ظلام وأعشاب وجبال وأغوار، وحياة نباتية طحلبية تستطيع ابتلاع المستكشف وغواصته؟.

مغامرات حب بلوغ المستحيل، وتهور، وغرور، تلكم صفات المستكشفين، وتحديدا من لا يفقهون في احتمالات ونظريات العلوم، أكثر من معرفتهم بقدرتهم على حوز نزهة عجب، بثمن تطوله ميزانياتهم.

زجاجة الغواصة، هل تحتمل كل هذا، وهل يتم تغييرها بعد كل رحلة، وما احتمالات انفجارها بعد تخطي مسافة عميقة من الضغط؟

ما الأجهزة التي يتم الوثوق بقدراتها على التصرف في الأزمات أو الطوارئ، ضمن ستة أمتار ضيق، لا تحتمل أكثر من ركابها الخمسة، جالسين؟.

الثري السائح بالغوص، لا يبحث عن علم، ولا تجارب، ويكتفي بلحظات بهجة بلوغ الأرب، وربما لاحقا، يبدأ في التساؤل، والبحث في علوم البحار، والفيزياء، وغموض الأغوار، التي لم تبلغ البشرية أغلبها، ولا أعمقها.

هل يلام المغامر السائح، حينما وضع كل ثقته في شركة ربحية، تبيع فقاقيع الحلم، وربما تسعى لتحقيق معرفة واستزادة علمية للبقاء بعيدا عن المنافسة.

ورغم تحقق الكارثة، واختفاء الرفات والحلم، لن يتوقف العلماء وشركات الربح عن البحث والقياس والتضبيط والمعالجة، وخلق المبتكر الجديد، وحتى لو توقفت الشركة الحالية عن مشروعها، فغيرها سيحضر ليبيع الحلم، ويسعى ويبدل، ويتلافى أخطاء السابق.

وعلى الجانب الآخر من تناقضات عجائب البشرية، يتكوم مئات من المهاجرين على مركب أحلام صغير متهالك بالصدأ، دود على عود، وهم أيضا رغم فقرهم، يدفعون المبالغ الكبيرة ليهربوا من واقعهم الأليم، وماضيهم، ويتبعون شوارد الحلم، الذي ناداهم من الغيب.

موت المهاجرين ولع وحلم كانوا يتشبثون به مثل أحلام الأثرياء، والأحياء يطمعون، والموت يكتب النهايات، وكل بقدر ما يحلم ويبذل ويبلغ، وبقدر ما يمتلك، أو يظن أنه فعلا يمتلك.

shaheralnahari@