الرأي

أمن الحجيج.. حلم أصبح حقيقة

أحمد صالح حلبي
رغم معاناة رحلة الحج ومشاقها، إلا أن المسلمين حرصوا على أدائها، ومشاقها لم تكن منحصرة على وسيلة النقل المتمثلة في الجمال، أو الفترة الزمنية التي يقضيها راغب الحج من بلده حتى يصل إلى مكة المكرمة، فهناك معاناة أخرى كانت متمثلة في غياب الأمن والأمان بطرق الحجاج، وقد دون الرحالة والمؤرخون الكثير من الأحداث والوقائع التي عاشها قاصدو البيت الحرام، وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم أحداثها.

كانت «قوافل الحجاج تتحرك على شكل مجموعات يحرسها عدد كبير من الجنود، وكان المحمل المصري والمحمل الشامي والعراقي يصحبهم عدد من العسكر والجنود لحمايتهم من قطاع الطرق خلال الطريق إلى الحج»، وذكرت عدد من المصادر التاريخية أن قوافل الحجاج التي لديها حراسات من العسكر في مقدمتها ومؤخرتها لها طرق محددة تسلكها، وجدول زمني محدد، وعند مرورها بأراضي قبيلة معينة عليها أن تدفع الرسوم التي كانت تسمى بالإتاوة، وهذه الرسوم تكون مقابل الحماية من قطاع الطرق داخل حدود القبيلة، وقد أشار إليها المستشرق الألماني جون وايلد الذي دخل مكة عام 1012هـ / 1604م، إلى ذلك بقوله «إن معاناة الحجاج متعددة، فمنها الخوف من قطاع الطرق الذين كانوا يتربصون بالحجاج وقوافلهم لأخذ الإتاوات حتى يسمح للقوافل بالمرور، وإن تجاوزوهم وجدوا غيرهم يسلبون أمتعتهم وأموالهم؛ لذلك كان الحجاج لا يمشون فرادى بل جماعات نتيجة لغياب الأمن، ولم تكن مخاطر الحج منحصرة على قطاع الطرق وحدها، بل كانت الطرق التي يسلكها الحجاج محفوفة بمخاطر السيول والأمطار».

لم يكن غياب الأمن منحصرا على الطرق الخارجية، فهو غائب حتى بين أحياء مكة المكرمة، وهذا ما أكده قائد المحمل المصري إبراهيم رفعت باشا، أمير ركب الحج المصري، في كتابه (مرآة الحرمين) بقوله: «إن من كان يريد زيارة جبل النور، عليه أن يحمل معه الماء الكافي، وأن يكون الحجاج على شكل جماعات يحملون السلاح حتى يدافعوا عن أنفسهم من اللصوص الذين يتربصون بهم لسلب أمتعتهم».

وأكد هذا الفريق أحمد مصطفى يغمور مدير الأمن العام خلال الفترة من 1380 - 1386هـ في كتاب الأمن في عهد الملك عبدالعزيز لإبراهيم العتيبي بقوله «إن كبار السن كانوا يروون له أنه قبل العهد السعودي كان الأمن في المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها معدوما لدرجة أن سكان حارة (جرول) في مكة المكرمة لا يقدرون على الذهاب لحارة (الباب) إلا بشكل جماعي خوفا من الاعتداء عليهم».

القارئ لتاريخ الجزيرة العربية ورحلات الحجاج، يقف على الكثير من الأحداث والروايات التي دونها الرحالة والمؤرخون عن غياب الأمن والأمان بطرق الحجاج، وتعرض قوافلهم للسلب والنهب، قبل العهد السعودي، كما يقف على توفر الأمن بعد أن وحد الملك عبدالعزيز آل سعود - يرحمه الله - أرجاء الجزيرة العربية وجمع شتاتها، وبسط الأمن في ربوعها.

وأوردت الباحثة أريج محسن العوفي في دراستها بعنوان «جهود الملك عبدالعزيز في حفظ الأمن في الحجاز (1344 – 1373هـ / 1925 – 1953م)»، التي نشرها كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لدراسة تاريخ مكة المكرمة، الظروف الأمنية التي عاشتها منطقة الحجاز قبل عهد الملك عبدالعزيز، وحالة الحجاز بعد دخول الملك عبدالعزيز، والإصلاحات التي قام بها لتحسين أوضاع المنطقة.

وقال أمير البيان شكيب أرسلان في كتابه (الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف)، «إنه ما إن تأسست الدولة السعودية ودخل الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - مكة المكرمة، والذي كان همه الأول بسط الأمن وتأمين طرق الحجاج، حتى عم الأمن والأمان ربوع المملكة العربية السعودية، لا سيما منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة».

وأضاف «لو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوارفة الظلال على الأرواح والأموال التي جعلت صحاري الحجاز وفيافي نجد، أكثر أمنا من شوارع الحواضر الأوروبية، لكان ذلك كافيا في استجلاب القلوب واستنطاق الألسن في الثناء عليه».

ووصف الرحالة والأديب محيي الدين رضا في كتابه «رحلتي إلى الحجاز» الأحوال الأمنية في عام 1353هـ، وهو العام الذي حج فيه إذ قال «إنه حدث تغير كبير في حال قطاع الطريق واللصوص الذين كانوا يتربصون بالحجاج في العهود السابقة، حيث أصبحوا في عهد - ابن سعود - أقرب إلى الانضباط وعدم الاعتداء على الحجاج فإذا سار الحاج وحده في تلك الصحاري بلا رفيق ولم يشأ أن يعطي أحدا من المتسولين فلا يجرؤ أحدهم أن ينال من الحاج شيئا ولا يمد يده بسوء».

اليوم نرى بفضل الله تعالى، وبدعم قيادتنا منظومة أمنية متكاملة تعمل من خلال وزارة الداخلية لتوفير الأمن والأمان لقاصدي البيت الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم من حجاج ومعتمرين وزوار، منذ وصولهم لأراضي المملكة وحتى مغادرتهم لها، آمنين مطمئنين، يؤدوا نسكهم بيسر وسهولة وراحة واطمئنان، لا يخافون على أموالهم أو أعراضهم أو أبنائهم.

ashalabi1380@