الرأي

تكافؤ الفرص وصناعة المستقبل

أحمد محمد الألمعي
ألهمني خطاب سابق لسمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن الكفاءة وكيف يصنع الشخص أهمية وقيمة للوظيفة وليس العكس؟ كيف تبنى الأمم والحضارات بوضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، وكم من الحضارات دمرت بوضع أشخاص غير أكفاء في وظائف مهمة وما نتج عن ذلك من فوضى ودمار.

كم من الأشخاص المؤهلين ذوي المواهب ينتظرون الفرص لإثبات قدراتهم وكفاءتهم ولكن تم تجاهلهم بسبب سوء الإدارة، المحسوبية، الواسطة، أو لمجرد وجودهم في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ وما يسبب ذلك لهم من الإحباط، بل قد يخلق ذلك فئة من الموهوبين الناقمين على مؤسساتهم الوظيفية ومجتمعهم.

قد يتساءل البعض ممن يرى في نفسه الذكاء والكفاءة لماذا لم يجد الفرصة؟ والجواب هو يجب إثبات كفاءة الشخص من خلال إنجاز أو عمل مميز يبرزه في الصورة ولا يكفي مجرد اعتقاد الشخص بقدراته، وقد لا تتوفر للشخص سوى فرصة واحدة لا تتكرر إذا خسرها فقد يخسر الكثير.

وقد يقول البعض إن النجاح لا يأتي إلا من بعد الفشل عدة مرات وبذلك يتم اكتساب الخبرة والتعلم من أخطاء الماضي، والحقيقة أن لكل منا أسلوبا وقدرات معينة للتعلم، فالبعض يتعلم من أخطائه السابقة بينما يتعلم البعض الآخر من أخطاء الآخرين.

في النهاية هناك قاعدة مهمة وهي حين تدفن هذه المواهب والعقول والقدرات فإنما تدفن إنجازات وتتسبب في تدمير ثقافة مجتمع ووطن.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، كرمت المخابرات الأمريكية عميلها الروسي، وكان يشغل منصب وزير الخدمة المدنية في موسكو، فسأله ضابط في المخابرات الروسية: أنا كنت مسؤولا عن مراقبتك، لم أجد لك علاقة مع المخابرات الأمريكية، ولا تواصلا، ولا مراسلة، فماذا عملت لها؟ قال: كنت أعين كل خريج في غير تخصصه وفي غير مجاله، وأشجع على ترقية الأغبياء إلى الأعلى، مع دعاية إعلامية لهم، وأحول دون صعود الكفاءات باختراع نقص الشروط، حتى بقي في رأس الدولة الطاعنون في السن والأغبياء الجدد، فأصيب الاتحاد السوفيتي بالإفلاس الفكري والتعليمي وسقط! عندما يوكل الأمر إلى غير أهله يكون الانهيار وشيكا وحتميا، فهل تذكرنا هذه الصورة بما يحصل في بعض المؤسسات والإدارات؟

هناك دراسات علمية تشير أن بيئة العمل المسمومة، وسوء المعاملة والظلم في بيئة العمل قد يؤدي إلى الاكتئاب الإكلينيكي، وكم سمعنا عن حوادث إطلاق نار في مكان العمل في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية سببها الإحساس بالظلم في مكان العمل، وقد اشتهرت إدارة البريد الفيدرالي الأمريكي بمثل هذه الحوادث، حتى أنها أصبحت مثلا يضرب في خروج موظفيها عن السيطرة وارتكاب الجرائم العنيفة في مقر عملهم.

يقضي الشاب أو الشابة سنوات طويلة في الدراسة واكتساب الخبرات وتنمية قدراتهم فينتهي به الأمر في بيئة عمل صادمة تقتل الطموح والمهارات ويتم تخطيهم في فرص إثبات تلك المهارات وينتهي بهم الأمر إلى مجرد موظف أو موظفة حاقدين محبطين، مات فيهم حب الإبداع والرغبة في التطوير بل قد يتم معاقبتهم عندما يظهرون مهارات وقدرات مميزة بسبب روح التنافس غير الشريفة في مكان العمل، ويضطرون للبقاء في وظيفة يكرهونها بسبب الخوف من تضاؤل فرص التوظيف خارج تلك المؤسسة، وعندها يحبسون مثل «الحيوان المسجون» في قفص بدون إرادة ومن ثم يتبعون سلوكا مدمرا شخصيا أو مهنيا قد يؤدي إلى دمار المؤسسة التي يعملون بها.

هناك وعي مهني ومجتمعي بأهمية أسلوب الإدارة الحديثة ملحوظ بشكل أكبر في وقتنا الحالي، كما يوجد الكثير من رؤساء العمل الملهمين ممن يثمن المؤهلات والقدرات المميزة؛ لأن النتائج تدعم ذلك. وقد ركزت هيئة النزاهة في المملكة العربية السعودية على مواضيع مماثلة تشمل عقوبات لسوء استخدام السلطة والواسطة وما في سياقها.

almaiahmad2@