الرأي

فقه الحج

محمد علي الحسيني
فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين الحج مرة واحدة في العمر، بموجب دلالة الآية (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وجعله من أعظم شعائر الإسلام ومن أركانه، كما جعل له خصوصية ومكانة كبيرة؛ فهو عبادة روحية جمعت بين الاستطاعة المالية والبدنية، يتقرب به المسلمون إلى الله سبحانه وتعالى، وقد تركوا الأهل والبلاد ومتاع الدنيا وشهواتها متضرعين متذللين تائبين عابدين ملبين من كل فج عميق: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، وقد اجتمعوا في مشهد عظيم بكل ألوانهم وطوائفهم وجنسياتهم في خير بقاع الأرض وأقدسها والتي قال فيها نبينا الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار) «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك»، فكل القلوب تهواها وتتوق إليها والشوق يعتريها؛ قال تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).

الحج عبادة توقيفية لها مناسكها وشروطها

يعتبر الحج شعيرة عبادية توقيفية ثابتة في كل العصور، غير متغيرة المناسك والأعمال التي نص عليها الكتاب المبين والأحاديث النبوية الشريفة، وقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا».

وينبغي على حجاج بيت الله الحرام أن يتفقهوا بأحكام الحج ليدركوا معاني المناسك ومقاصدها حتى يؤدوها على أكمل وجه، بداية من الإحرام، والطواف، والسعي، والمبيت بمنى، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، وبقية المناسك عدا عن كون هذه الفريضة لها أبعاد ترسخ التعبد والطاعة والامتثال لله (عز وجل) وتوحيده، واجتماع الأمة الإسلامية. وقد نبهت وحذرت أحاديث كثيرة من المُعْرِض عن الحج وتاركه مع تحقق الاستطاعة عليه.

ولصحة الحج شروط ينبغي توفرها بدءا من: الإسلام، والاستطاعة البدنية والمادية... وهو واجب على البالغ دون القاصر والعاقل؛ ونستدل على ذلك بما رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) بحديث رفع القلم: «عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الطفل حتى يبلغ».

كما يشترط أن يكون الإنسان حرا غير مقيد، وأن تكون هذه المناسك في مواعيد محددة؛ فيمكن الإحرام في أشهر الحج كما قال تعالى: (الحج أشهر معلومات)، ولكن الواجب بعده الوقوف في عرفات والمزدلفة في التاسع من ذي الحجة، والرمي والذبح والحلق في العاشر منه.

فضل الحج وثوابه

أعظم ما يمكن أن نقوله إن الله تعالى عندما أمر عباده بالحج إلى بيته المقدس، فإنه وعد ضيوفه بالأجر والثواب العظيم، وقد أكد على ذلك نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) عندما قال «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، بشرط ألا يخالطه إثم؛ (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). وهو بذلك موجب لرضا الله ومرضاته، والدخول إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدها الله لعباده الذين تركوا الدنيا وجاؤوه مهرولين طامعين راجين مغفرته وثوابه.

كما نؤكد أن للحج بعدا دنيويا فضلا عن بعده الأخروي (الثواب)؛ وذلك بناء على قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، من منافع البدن والربح والتجارة عدا عن نعمة وجود هذا الجمع الغفير الذي اجتمع على كلمة التوحيد ملبين بنفس واحد، مقررين ما يحقق آمالهم، ويعالج أمراضهم، ويوحد كلمتهم، ويصلح حالهم، ويشد أزرهم.

نسأل الله تعالى أن يكتب للمسلمين أداء هذه الفريضة كما أرادها الله (عز وجل)، ويعرفوا حقها كما شرحها الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): «وأما حق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك».

خلاصة القول في فقه الحج لا ينبغي أن يقتصر على بيان الأحكام الفقهية للحج مع أهميتها وضرورتها، ولكن ينبغي معها التركيز على إيصال فلسفة الحج ورسالته كما يريدها الشارع المقدس.

sayidelhusseini@