الموفق.. وأهل الرأي
الاحد / 17 / شوال / 1444 هـ - 21:24 - الاحد 7 مايو 2023 21:24
الموفق من يجالس ذوي العقل والأدب وأهل الرأي والتجارب، ومجالسهم الواقعية أو الافتراضية لقاح العقل ومادته، لذلك قال القدماء «إن أهل الرأي أشجار الوقار وينابيع الأنوار، لا يطيش لهم سهم ولا يسقط لهم وهم، إن فقدوا ذكاء الطبع فقد مرت على عيونهم أنواع الطباع، وتصدت لأسماعهم آثار الغير».
قال عبدالملك بن مروان لجلسائه: جنبوني ثلاثا لا تطغوني فإني أعرف بنفسي منكم، ولا تكذبوني فإنه لا رأي لكذوب، ولا تغتابوا عندي أحدا فيفسد قلبي عليكم.
وكفى بالتجارب تأديبا وبتقلب الأيام عظة، والتجربة مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل، ولعل الرجل ليلقى الرجل العاقل فيكون بعقله عاقلا لعدة أيام.
والحياة أثبتت أن من قرب الحمقى وأدناهم وباعد ذوي العقل وأقصاهم استحق الخذلان، ومن منع المال من الحمد ورثه من لا يحمده.
ما أحوج ذا السلطة إلى دين يهذبه وحياء يكفه وعقل يعدله، وإلى تجربة طويلة وعبر محفوظة، وأخلاق تسهل الأمور عليه، وإلى جليس أيهم ملهم، رفيق ورائد شفيق، وإلى عين تنظر العواقب وعقل يعتبر من الغير، ومن لم يعرف لؤم الأيام لم يحترس من سطوات الدهر، ومن لم يتحفظ من فلتان الزلل لم يتعاظم ذنب وإن كان عظيما، ولا ثناء وإن سمج، وإذا رأيت من جليسك أمرا تكرهه أو خلة لا تحبها، أو صدرت منه كلمة عوراء أو هفوة غبراء، فلا تقطع حبله ولا تصرم وده، ولكن داو كلمه واستر عوره، يقول الشاعر:
إذا راب مني مفصل فقطعته
بقيت وما بي للنهوض مفاصل
ولكن أداويه فإن صح سرني
وإن هو أعيى كان فيه تحامل
وجاء رجل إلى حكيم فشكا إليه صديقه، وعزم على قطعه والانتقام منه، فقال له الحكيم أتفهم ما أقول لك فأكلمك، أم بك من ثورة الغضب ما يشغلك عني وعنه؟ فقال إني لما تقول واع، فسأله أسرورك بمودته كان أطول أم غمك بذنبه؟ فأجاب: بل سروري، قال: أفحسناته عندك أكثر أم سيئاته؟ فرد بل حسناته، فكان جواب الحكيم اصفح تصلح أيامك ذنبه، وهب لسرورك جرمه، واطرح مؤونة الغضب والانتقام منه، ولعلك لا تنال ما أملت فتطول مصاحبة الغضب وأنت صائر إلى ما تحب.
أخيرا، الانتصار عدل والعفو فضل، وفضل الله أحب إلينا من عدله؛ لأنه إن عدل فأخذنا بحقه علينا هلكنا، وإن عفا عنا برحمته نجونا، ولولا كان العدل يسع الخلائق لما قرنه الله تعالى بالإحسان، ولما هو معلوم أن في العدل استقصاء ومناقشة، كان ذلك مما تضيق عنده النفوس وتحرج له الصدور.
hq22222@
قال عبدالملك بن مروان لجلسائه: جنبوني ثلاثا لا تطغوني فإني أعرف بنفسي منكم، ولا تكذبوني فإنه لا رأي لكذوب، ولا تغتابوا عندي أحدا فيفسد قلبي عليكم.
وكفى بالتجارب تأديبا وبتقلب الأيام عظة، والتجربة مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل، ولعل الرجل ليلقى الرجل العاقل فيكون بعقله عاقلا لعدة أيام.
والحياة أثبتت أن من قرب الحمقى وأدناهم وباعد ذوي العقل وأقصاهم استحق الخذلان، ومن منع المال من الحمد ورثه من لا يحمده.
ما أحوج ذا السلطة إلى دين يهذبه وحياء يكفه وعقل يعدله، وإلى تجربة طويلة وعبر محفوظة، وأخلاق تسهل الأمور عليه، وإلى جليس أيهم ملهم، رفيق ورائد شفيق، وإلى عين تنظر العواقب وعقل يعتبر من الغير، ومن لم يعرف لؤم الأيام لم يحترس من سطوات الدهر، ومن لم يتحفظ من فلتان الزلل لم يتعاظم ذنب وإن كان عظيما، ولا ثناء وإن سمج، وإذا رأيت من جليسك أمرا تكرهه أو خلة لا تحبها، أو صدرت منه كلمة عوراء أو هفوة غبراء، فلا تقطع حبله ولا تصرم وده، ولكن داو كلمه واستر عوره، يقول الشاعر:
إذا راب مني مفصل فقطعته
بقيت وما بي للنهوض مفاصل
ولكن أداويه فإن صح سرني
وإن هو أعيى كان فيه تحامل
وجاء رجل إلى حكيم فشكا إليه صديقه، وعزم على قطعه والانتقام منه، فقال له الحكيم أتفهم ما أقول لك فأكلمك، أم بك من ثورة الغضب ما يشغلك عني وعنه؟ فقال إني لما تقول واع، فسأله أسرورك بمودته كان أطول أم غمك بذنبه؟ فأجاب: بل سروري، قال: أفحسناته عندك أكثر أم سيئاته؟ فرد بل حسناته، فكان جواب الحكيم اصفح تصلح أيامك ذنبه، وهب لسرورك جرمه، واطرح مؤونة الغضب والانتقام منه، ولعلك لا تنال ما أملت فتطول مصاحبة الغضب وأنت صائر إلى ما تحب.
أخيرا، الانتصار عدل والعفو فضل، وفضل الله أحب إلينا من عدله؛ لأنه إن عدل فأخذنا بحقه علينا هلكنا، وإن عفا عنا برحمته نجونا، ولولا كان العدل يسع الخلائق لما قرنه الله تعالى بالإحسان، ولما هو معلوم أن في العدل استقصاء ومناقشة، كان ذلك مما تضيق عنده النفوس وتحرج له الصدور.
hq22222@