فرنسا بين قوة الشارع وغرور السلطة
الثلاثاء / 27 / رمضان / 1444 هـ - 02:19 - الثلاثاء 18 أبريل 2023 02:19
تقف الجمهورية الفرنسية منذ نحو شهر وسط رياح عنيفة ضربت شموخ قصر الإليزيه، فتداعت لها شوارع باريس بانتشار آلاف الأطنان من القمامة على نحو لم تشهده بلد النور من قبل.
مشاهد المظاهرات والعنف ضد مشروع قانون رفع سن التقاعد في فرنسا، التي طالما افتخر أهلها بأفكار فلاسفة التنوير ومبادئ الثورة التي قامت على الحرية والمساواة، يعكس أزمة حقيقية لا تقتصر على هذه المظاهرات وما سبقها فقط، بل سلسلة من القضايا الداخلية العالقة وانتكاسات متتالية لسياستها الخارجية وتراجع نفوذها، حتى في معاقلها التقليدية، وذلك باعتراف الفرنسيين أنفسهم.
وبالنظر إلى الوضع الداخلي العاصف، ظهر قبل أسبوعين تقرير لجنة تحقيق تابعة للجمعية الوطنية في البرلمان، الذي حدد وبلغة قاسية أسباب فشل فرنسا في إدارة ملف الطاقة، وما نتج عن ذلك من ارتفاع في الأسعار.
وحدد التقرير أخطاء وضعف في اتخاذ القرارات نتج عنها إغلاق نصف أسطول محطة الطاقة النووية بسبب قيود الصيانة وإصلاح عيوب التصميم في بعض المفاعلات، وهو ما زاد انقطاعات التيار الكهربائي وخسائر تقدر بنحو 18 مليار يورو لشركة كهرباء فرنسا.
أما على صعيد الدبلوماسية الفرنسية ومع ما يعيشه العالم من تشكل جديد لنظامه بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما زالت فرنسا تتلقى الصدمات منذ سبتمبر 2021م عندما ألغت أستراليا وبشكل مفاجئ «صفقة القرن» المتعلقة بشراء غواصات فرنسية بقيمة 56 مليار يورو، وفشلها أيضا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين المغرب والجزائر.
وفي آخر محطة للسياسة الخارجية الفرنسية اصطدم إيمانويل ماكرون بعدم اهتمام صيني خلال زيارته إلى بكين ولقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث لم يخرج اجتماعهم بأي شيء يفيد الوضع القائم بين روسيا وأوكرانيا.
ما يمكن استنتاجه مما تعيشه فرنسا، وعاشته خلال الأسابيع القليلة الماضية، هو أن السلطة تسعى للقفز والتعالي على صوت الإنسان؛ وهذا بحد ذاته يعتبر في السياسة «سقطة» قد تقود إلى تطور الأمور وتجاوز ما يشهده الشارع الفرنسي لأكثر من تصادم.
إن إهمال السلطات الفرنسية للفرنسيين في الشارع، دون اكتراث لمطالبهم، فاقم الأمر، وهذا ما يثبت من رد فعل المعارضة والنقابات، التي تعهدت باستمرار الاحتجاجات والمظاهرات، على رغم من أن الرئيس الفرنسي قد أقر نظام التقاعد المثير للجدل في فرنسا، ورفع سن التقاعد إلى 64 عاما بعد أن أقره المجلس الدستوري.
إن الأيام الماضية كشفت عن حجم الفجوة بين الشارع الفرنسي وصانع القرار، الذي يستند في تعاليه السياسي على الإنسان؛ بل على مبادئ الثورة الفرنسية، من باب امتلاكه زمام الأمر وقدرة فرض الأمر الواقع –وهذا وهم– على الفرنسيين، وهو مكمن العقدة التي يعاني منها أصحاب القرار في باريس، باعتبارهم ضربوا بالرأي العام عرض الحائط.
بمجمل القول، كما يتضح، أن ثقافة العدول على القرار الخطأ في القاموس الفرنسي مفقودة، وهذا قد يُكلف صناع القرار فيها بعضا من الرصيد السياسي الذي عملوا من أجل اكتسابه سنوات طويلة من الزمن. والأهم من ذلك؛ الترفع عن افتعال الخصومات، لا سيما مع الشارع الذي يملك أوراق القوى أكثر من غيره، في نظام كالنظام الفرنسي.
binmautaib@
مشاهد المظاهرات والعنف ضد مشروع قانون رفع سن التقاعد في فرنسا، التي طالما افتخر أهلها بأفكار فلاسفة التنوير ومبادئ الثورة التي قامت على الحرية والمساواة، يعكس أزمة حقيقية لا تقتصر على هذه المظاهرات وما سبقها فقط، بل سلسلة من القضايا الداخلية العالقة وانتكاسات متتالية لسياستها الخارجية وتراجع نفوذها، حتى في معاقلها التقليدية، وذلك باعتراف الفرنسيين أنفسهم.
وبالنظر إلى الوضع الداخلي العاصف، ظهر قبل أسبوعين تقرير لجنة تحقيق تابعة للجمعية الوطنية في البرلمان، الذي حدد وبلغة قاسية أسباب فشل فرنسا في إدارة ملف الطاقة، وما نتج عن ذلك من ارتفاع في الأسعار.
وحدد التقرير أخطاء وضعف في اتخاذ القرارات نتج عنها إغلاق نصف أسطول محطة الطاقة النووية بسبب قيود الصيانة وإصلاح عيوب التصميم في بعض المفاعلات، وهو ما زاد انقطاعات التيار الكهربائي وخسائر تقدر بنحو 18 مليار يورو لشركة كهرباء فرنسا.
أما على صعيد الدبلوماسية الفرنسية ومع ما يعيشه العالم من تشكل جديد لنظامه بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما زالت فرنسا تتلقى الصدمات منذ سبتمبر 2021م عندما ألغت أستراليا وبشكل مفاجئ «صفقة القرن» المتعلقة بشراء غواصات فرنسية بقيمة 56 مليار يورو، وفشلها أيضا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين المغرب والجزائر.
وفي آخر محطة للسياسة الخارجية الفرنسية اصطدم إيمانويل ماكرون بعدم اهتمام صيني خلال زيارته إلى بكين ولقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث لم يخرج اجتماعهم بأي شيء يفيد الوضع القائم بين روسيا وأوكرانيا.
ما يمكن استنتاجه مما تعيشه فرنسا، وعاشته خلال الأسابيع القليلة الماضية، هو أن السلطة تسعى للقفز والتعالي على صوت الإنسان؛ وهذا بحد ذاته يعتبر في السياسة «سقطة» قد تقود إلى تطور الأمور وتجاوز ما يشهده الشارع الفرنسي لأكثر من تصادم.
إن إهمال السلطات الفرنسية للفرنسيين في الشارع، دون اكتراث لمطالبهم، فاقم الأمر، وهذا ما يثبت من رد فعل المعارضة والنقابات، التي تعهدت باستمرار الاحتجاجات والمظاهرات، على رغم من أن الرئيس الفرنسي قد أقر نظام التقاعد المثير للجدل في فرنسا، ورفع سن التقاعد إلى 64 عاما بعد أن أقره المجلس الدستوري.
إن الأيام الماضية كشفت عن حجم الفجوة بين الشارع الفرنسي وصانع القرار، الذي يستند في تعاليه السياسي على الإنسان؛ بل على مبادئ الثورة الفرنسية، من باب امتلاكه زمام الأمر وقدرة فرض الأمر الواقع –وهذا وهم– على الفرنسيين، وهو مكمن العقدة التي يعاني منها أصحاب القرار في باريس، باعتبارهم ضربوا بالرأي العام عرض الحائط.
بمجمل القول، كما يتضح، أن ثقافة العدول على القرار الخطأ في القاموس الفرنسي مفقودة، وهذا قد يُكلف صناع القرار فيها بعضا من الرصيد السياسي الذي عملوا من أجل اكتسابه سنوات طويلة من الزمن. والأهم من ذلك؛ الترفع عن افتعال الخصومات، لا سيما مع الشارع الذي يملك أوراق القوى أكثر من غيره، في نظام كالنظام الفرنسي.
binmautaib@