رصاصات إن أطلقت استحال إرجاعها
الثلاثاء / 27 / رمضان / 1444 هـ - 02:09 - الثلاثاء 18 أبريل 2023 02:09
سرية المكاتبات الدولية لم تعد تلك القديمة، بمخطوطات رقاع الجلد الثقيلة، ولفائف أوراق البردي، أو الملفات الورقية الموشومة بكلمة سري للغاية، والتي ودون غفلة أمين سرها وتخاذل حراسها يستحيل تسريبها.
ففي عصرنا الحالي وثق العالم بأثير الإنترنت، وملفاتها الرقمية، وسحاباتها، وحرز بصمات الدخول، ما يحفز عقول وجهود المخترقين على شكل أفراد ومنظمات ودول تبدع في «التهكير»، وبمعرفة أن التسريبات رصاصات إن أطلقت استحال إرجاعها.
رصاصات كلما زادت سمية محتواها، زادت أثمانها، المؤدية لتشويه السمعة، أو نصرة جهة على جهة، أو كشف خيانات ومؤامرات، أو على الأقل إثبات ضعف حرز بيانات دولة بعينها، وتهديدها بأنها أصبحت هدفا سائغا مضمونا، لمن يجيد لعبة التجسس والتسريبات.
ومؤخرا تم تسريب أكثر من 100 وثيقة سرية للغاية، من داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية متضمنة تفاصيل معركة «باخموت»، وتورط أمريكا بشكل يومي في إدارة الأحداث، وقيامها بالتجسس على الأطراف المتنازعة والمتحزبة للطرفين، إضافة لبقية حلفائها وأصدقائها الواثقين بها!
هوجة قامت ولم تقعد، بين إعلام مؤكد لما جاء في التسريبات، وبين مشكك يتهمها بالتضليل.
وتلك أزمة سياسية دولية أصبحت معتادة منذ فضائح منظمة «ويكيليكس»، بتسريبات تتقصد دولا بعينها، لكشف خوافيها، وخلق المعضلات الداخلية والدولية حولها، واتهامات تظل ترسم الطريق المتعسر المهزوز لقادم الثقة والعلاقات، وبروز تحزبات وخيانات ومؤامرات ترسم القادم بالشك والخوف، وضرورة تغيير العهود والمواثيق، وطرق التعامل مع الأصدقاء والأعداء على السواء، وتغيير وتطوير طرق حفظ المستندات.
لقد تناست أمريكا أساس القضية، وضخمت عملية القبض الهوليودي على المتهم وهو جندي عشريني يعمل بالحرس الوطني، كان قد سرق الملفات وسط ملابسه، وسربها من خلال برنامج ألعاب، لتبلغ فضائحها سائر نقر العالم.
الشعور الحكومي الأمريكي كان قمة في السخط على المُسرب للمستندات، بينما تم تناسي وتهميش حقائق محتويات المعلومات المسربة، جوهر الجُرم والفضيحة المريعة في التعاملات الدبلوماسية مع الدول، والتي كان يجب التوقف عندها والاعتذار عن الخطيئة فيها على الأصدقاء والحلفاء، وباحترام عقول البشرية، والمواثيق، وعدم الغرور والتنصل عن مواجهة الذنب والخطيئة.
الكارثة الحقيقية هي كنه ما تم تسريبه، ولو كان يحتوي أمورا مشرفة منطقية ومتوقعة، لما أثارت التسريبات مثل هذا الضجيج، ولما اضطرت الحكومة والإعلام الأمريكي للكذب، ولأمكن للجهة المسروقة مستنداتها تبرئة نفسها بمجرد الاعتراف بوجود نقطة ضعف في جدران الحماية عندها، ولكانت استفادت من الدرس، وعملت على معالجة سرية ملفاتها الأمنية، مؤكدة على احترامها للمواثيق، وإبقائها على علاقاتها الدبلوماسية، ولو بالحد الأدنى من الثقة والتعاون.
القبض على الفاعل مجرد إجراء داخلي لتتبع ومنع تكرار التسريب، ولكنه لن ينسي الدول المتضررة ما اكتشفوه من معلومات مرعبة كانت خافية عنهم.
والمعالجة المثلى لا بد أن تبدأ بتغيير عقيدة الاستخبارات الأمريكية ذات الأوجه المتعددة، ومراعاة المصداقية في العلاقات، على الأقل مع الأصدقاء، وعليها تحاشي أفلام الإثارة والتجسس والمؤامرات، التي يقصد من ورائها التذاكي والشعور بالفوقية والطبقية، والهيمنة والتلاعب بالمعاهدات والعلاقات مع الشركاء.
ثمن رصاصات التسريبات عظيم على ساحر الحركات والألعاب الخفية، حينما يعرف أن أصدقاءه قد انزاحوا من حوله، وهم من كثرة شكهم وخوفهم يعدون أصابعهم!
shaheralnahari@
ففي عصرنا الحالي وثق العالم بأثير الإنترنت، وملفاتها الرقمية، وسحاباتها، وحرز بصمات الدخول، ما يحفز عقول وجهود المخترقين على شكل أفراد ومنظمات ودول تبدع في «التهكير»، وبمعرفة أن التسريبات رصاصات إن أطلقت استحال إرجاعها.
رصاصات كلما زادت سمية محتواها، زادت أثمانها، المؤدية لتشويه السمعة، أو نصرة جهة على جهة، أو كشف خيانات ومؤامرات، أو على الأقل إثبات ضعف حرز بيانات دولة بعينها، وتهديدها بأنها أصبحت هدفا سائغا مضمونا، لمن يجيد لعبة التجسس والتسريبات.
ومؤخرا تم تسريب أكثر من 100 وثيقة سرية للغاية، من داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية متضمنة تفاصيل معركة «باخموت»، وتورط أمريكا بشكل يومي في إدارة الأحداث، وقيامها بالتجسس على الأطراف المتنازعة والمتحزبة للطرفين، إضافة لبقية حلفائها وأصدقائها الواثقين بها!
هوجة قامت ولم تقعد، بين إعلام مؤكد لما جاء في التسريبات، وبين مشكك يتهمها بالتضليل.
وتلك أزمة سياسية دولية أصبحت معتادة منذ فضائح منظمة «ويكيليكس»، بتسريبات تتقصد دولا بعينها، لكشف خوافيها، وخلق المعضلات الداخلية والدولية حولها، واتهامات تظل ترسم الطريق المتعسر المهزوز لقادم الثقة والعلاقات، وبروز تحزبات وخيانات ومؤامرات ترسم القادم بالشك والخوف، وضرورة تغيير العهود والمواثيق، وطرق التعامل مع الأصدقاء والأعداء على السواء، وتغيير وتطوير طرق حفظ المستندات.
لقد تناست أمريكا أساس القضية، وضخمت عملية القبض الهوليودي على المتهم وهو جندي عشريني يعمل بالحرس الوطني، كان قد سرق الملفات وسط ملابسه، وسربها من خلال برنامج ألعاب، لتبلغ فضائحها سائر نقر العالم.
الشعور الحكومي الأمريكي كان قمة في السخط على المُسرب للمستندات، بينما تم تناسي وتهميش حقائق محتويات المعلومات المسربة، جوهر الجُرم والفضيحة المريعة في التعاملات الدبلوماسية مع الدول، والتي كان يجب التوقف عندها والاعتذار عن الخطيئة فيها على الأصدقاء والحلفاء، وباحترام عقول البشرية، والمواثيق، وعدم الغرور والتنصل عن مواجهة الذنب والخطيئة.
الكارثة الحقيقية هي كنه ما تم تسريبه، ولو كان يحتوي أمورا مشرفة منطقية ومتوقعة، لما أثارت التسريبات مثل هذا الضجيج، ولما اضطرت الحكومة والإعلام الأمريكي للكذب، ولأمكن للجهة المسروقة مستنداتها تبرئة نفسها بمجرد الاعتراف بوجود نقطة ضعف في جدران الحماية عندها، ولكانت استفادت من الدرس، وعملت على معالجة سرية ملفاتها الأمنية، مؤكدة على احترامها للمواثيق، وإبقائها على علاقاتها الدبلوماسية، ولو بالحد الأدنى من الثقة والتعاون.
القبض على الفاعل مجرد إجراء داخلي لتتبع ومنع تكرار التسريب، ولكنه لن ينسي الدول المتضررة ما اكتشفوه من معلومات مرعبة كانت خافية عنهم.
والمعالجة المثلى لا بد أن تبدأ بتغيير عقيدة الاستخبارات الأمريكية ذات الأوجه المتعددة، ومراعاة المصداقية في العلاقات، على الأقل مع الأصدقاء، وعليها تحاشي أفلام الإثارة والتجسس والمؤامرات، التي يقصد من ورائها التذاكي والشعور بالفوقية والطبقية، والهيمنة والتلاعب بالمعاهدات والعلاقات مع الشركاء.
ثمن رصاصات التسريبات عظيم على ساحر الحركات والألعاب الخفية، حينما يعرف أن أصدقاءه قد انزاحوا من حوله، وهم من كثرة شكهم وخوفهم يعدون أصابعهم!
shaheralnahari@