الرأي

علاقات الأقارب وفق خرائط قوقل

خضر عطاف المعيدي
«وإخوانا حسبتهمم دروعا فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادي»

كل ما نظرت إلى الخرائط عموما، ولخرائط قوقل على وجه الخصوص، أتعجب من تقارب الأماكن على الخريطة، لكنها لا تمثل الأبعاد الحقيقية في الواقع، وهي بذلك ترمز إلى علاقات الأقارب نفسها في هذا الزمان.

عندما تصادفهم في المناسبات والأعياد، يتبادر لك من الوهلة الأولى أن هناك وشائج متينة تجمع بينهم، وأن علاقاتهم أشد صلابة من السد الذي بناه ذو القرنين لمنع يأجوج ومأجوج من الخروج، لكن لو فتشت في القلوب لوجدت أن بين الأخ وأخيه وبين أبناء العمومة، كما بين أوكلاند بنيوزيلندا وبين مقديشو في الصومال، تجدها على الخريطة لا تتجاوز السنتيمترات القليلة، وهي في الواقع الآلاف من الأميال.

فهل تحول واقع علاقات الناس إلى خريطة رقمية؟!

إنه التمثيل الذي نمارسه بين بعضنا بعضا على خشبة مسرح الحياة، وهو النفاق الذي نعيشه حينما نقبل يدا نتمنى قطعها قبل تلك القبلة.

لقد تغلغلت الأحقاد بين الناس حتى باعدت بين القلوب، والأجساد قريبة، وغالب ذلك إما بسبب إعارة السمع لكل ما يقال، فكلما أعرت سمعك للناس كلما أتتك السهام من كل حدب وصوب، وقل من يكون لديه منخل يصفي كل ما يدخل خلال أذنه، وإما بسبب كراهية الخير الذي منحك الله إياه.

ويستمر التمثيل بين الناس، وتستمر الحياة، وتتباعد القلوب والأجساد متلاصقة.

وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي، فقلبت الأمور، وثارت الأحقاد واشرأبت النفوس.

فقد فتتت أجمل العلاقات، وجعلت المجتمع أشبه بغابة «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب».

فكم فرقت بين الأفراد بسبب إشاعات مكذوبة أو حسد أو حقد دفين، وضيعت أجمل ما يمتلك الإنسان وهو الوقت، وخسر الناس بعضهم بعضا، بسبب ألفاظ متعددة المعاني، وضاع غالب الناس بين صولات وجولات في كيف يكتب شيئا يغيظ به غيره، وأصبح غالب الناس لا يفسر الأمور ويحملها إلا على أسوأ الاحتمالات والتفسيرات، ولو كانت آية صريحة، وذلك لوجود أرض خصبه لشن النزاع.

حينما اُتيح تويتر في الغرب، كان الهدف أن يقرب بين الناس فكريا وعلميا، ولكن حوّله مجتمعنا إلى ساحة قصاص، ينتقم به بعضنا من بعض بحسابات وهمية، ليشفي غليل مرض قلبه.

فكم بث غالب الناس فيه الإشاعات، وكم أثاروا النعرات القبلية والاجتماعية، وكم فرقوا به بين الأسرة الواحدة.

إن الأثر غير السوي لوسائل التواصل الاجتماعي في هذا الزمن جعل الغالب من الأفراد لا يستطيع العيش في العالم الحقيقي، بل يرغب في الوجود افتراضيا، لأن الواقع يعد صادما لهم.

رغم أن اسمها وسائل التواصل الاجتماعية، إلا أنني أسميها «وسائل التفرقة المجتمعية»، فقد أتت على نفوس ضيقة عند غالب الناس، فأثارت كل ماض دفين، وبعثت من الأجداث كل ثأر قديم، وشتت بين الناس، تلك هي حال غالب الناس في عصرنا الحاضر.

أجساد متقاربة جغرافيا (في المناسبات) كتقارب الدول على الخرائط الرقمية، ولكن القلوب متناثرة متباعدة لا تعكس الواقع الشكلي لها، ولك أن تنظر - عزيزي - في عدد المجموعات التي تنشئها وتحذفها الأسر في تطبيق «واتس اب»، كي يتم التخلص من أحد أفراد العائلة غير المرغوب فيه بالمجموعة، وهو في المناسبات في صدر المجلس والأقارب حوله كالملائكة.