الرأي

تعسر ولادة رديف مستشفى عسير

شاهر النهاري
قلة من مستشفيات المملكة تظل تاريخا يحكى، وفائدة وقيمة، بما كان لها من فضل التفرد بتقديم الجهود الصحية الطبية العظيمة المخلصة لمناطقها، ما يجعل من الظلم مقارنتها بغيرها، والمثال على ذلك جهود مستشفى الشميسي بالعاصمة الرياض لعقود زمن طويلة، حينما كان الأوحد والأشمل، في أداء الخدمات الطبية والجراحية المطلوبة بقدرة وتمكن.

تاريخ مشرف يحكى قبل أن تزرع حوله عشرات المستشفيات الرديفة والموازية والمتخصصة، ويرتقي هو لكيان مدينة الملك سعود الطبية.

ولعل مستشفى عسير المركزي في مدينة أبها، قد تحمل ذات المهمة والعبء وسط التكدس السكاني الأعلى لأربعة عقود، ظل فيها يقدم مختلف الخدمات الصحية والطبية والتخصصية، ويستوعب تنوع وخطورة الحالات الطارئة، في مناطق جبلية وساحلية حيوية وعرة تضم آلاف القرى والبلدات، وكانت وزارة الصحة تعتمد عليه بشكل كلي، مهما واجه من تحديات وعوامل النقص.

مستشفى استفاد من تميز خريجي كلية طب جامعة الملك خالد في أبها، وبتنوع وكثرة الحالات الطبية، حتى صار هدفا علميا وعمليا لكثير من الأخصائيين والاستشاريين والطواقم الطبية، كون خبرة سنة فيه، تعادل سنوات في غيره من المستشفيات.

مستشفى ظل يعاني من زحام المراجعين، وتباعد المواعيد، وتأجيل جداول العمليات، ونقص بعض الموارد، خصوصا بعد تعطل مشروع المدينة الطبية في أبها، وتوزيع من ابتعثوا للعمل فيها على مستشفيات المدن الأخرى.

أربعة عقود من إشاعات ظلت تتجدد مع تولي كل وزير جديد للصحة، بأن المستشفى الرديف قادم، ولكنها تظل إشاعات عرجاء لا تقف على قدم.

إدارات المستشفى المتعاقبة تجتهد ومؤشرات الأداء الخضراء لا تنقل الصورة الحقيقية، وخصوصا في الإجازات الصيفية، وأثناء الجائحة، وفي مشاركة مستشفيات القوات المسلحة بالتعامل مع مرضى وجرحى الوطن خلال حرب اليمن، ما جعل مراجعات المرضى وعياداتهم المتباعدة تتعب العين والقلب، والكبد!

طلب الشفاء غريزة إنسانية، وإمكانيات المعالجة في المستشفيات الخاصة متباينة، ومنهكة لجيوب أغلبية متوسطي الحال، ومن لا يمتلكون التأمين الصحي.

وللأحقية فخدمات مستشفى عسير تمتد إلى مدن الساحل وحتى جيزان على بعد ثلاث ساعات جنوبا، وإلى القنفذة والباحة بمسافة أربع ساعات شمالا، وحتى حدود وادي الدواسر شرقا، على بعد خمس ساعات، والمريض المضطر يحير، ولا يجد البديل.

صحيح أن وزارة الصحة تسمح من خلال برامج «إحالتي» بتسهيل تشخيص ونقل بعض المرضى المخطرين إلى مستشفيات مدن المملكة الأخرى، ولكن هذا يظل حملا مرهقا على مستشفى عسير المركزي، بضرورة استقبال الحالات، وتنويمها والعناية بها وإجراء الفحوص والتحاليل والاختبارات قبل حصول فرج نقل المرضى القابلين للتحويل.

معالي وزير الصحة فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، تسنح له اليوم فرصة تاريخية لترك الأثر الطيب العظيم، بالبت في تنفيذ مسألة المستشفى الرديف العسيري، وبأسرع وسيلة ممكنة، وهو ولا شك مطلع على الحاجة القديمة المتجددة، والأضرار والجغرافيا والتضاريس والجدوى.

خطط التنمية قد تطول، والحاجة ماسة، والحالات المرضية والجراحية المخطرة لا تتوقف، بل تتضاعف، وعهد الرؤية المباركة والانفتاح على السياحة يحتاج لما هو أفضل وأكثر من الموجود بكثير.

أخيرا فالصحة أمنية عزيزة لأهالي منطقة عسير، ومدن وقرى الصفاء، وقمم الجبال العاليات، وسهول وأودية وسواحل تتوق رؤوس ساكنيها لبريق تيجانها.

shaheralnahari@