الرأي

التغييرات الاجتماعية وتمكين المرأة

أحمد محمد الألمعي
يمر المجتمع السعودي بكثير من التغييرات الاجتماعية والنفسية، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي بناء على ثقافة وخلفية من تناقش في هذا الموضوع.

حقق كثير من القوانين الاجتماعية في المملكة خلال السنوات الأخيرة قفزات كبيرة في مجال تمكين المرأة وإعطائها الكثير من الحقوق، ولكن هل هناك مظاهر سلبية لهذه التغييرات وهل فعلا أسهمت في زيادة نسبة الطلاق في مجتمعنا؟

هل شجعت هذه القوانين النساء على طلب الخلع وهل هي نتيجة فهم خاطئ لهذه القوانين أم أن الرجل قد تمادى في استغلال مفهوم قوامة الرجل على المرأة وفي السياق سلبها الكثير من حقوقها الشرعية بدون رادع قانوني؟ هي كثير من الأسئلة التي تتردد في أذهان الكثيرين ومحور نقاش لمجالس الجنسين.

المجتمع السعودي مثل أي من المجتمعات يمر بتغييرات كثيرة ليس أقلها ارتفاع نسبة المتعلمين بشهادات جامعية أو عليا وخاصة من النساء، فقد حققت المرأة الكثير من المنجزات في مجال التعليم وأخذت مكانها في مجال التوظيف وشغلت مناصب عليا في الدوائر الحكومية بما في ذلك الدبلوماسية، وأصبح للمملكة سفراء من النساء بدءا بالولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وغيرهما، كما أخذت مكانها في القطاع الخاص بشكل تنافسي ومشرف.

أصبح وجه المرأة السعودية مألوفا في عدة قطاعات ومراكز قيادية بما في ذلك القطاع الصحي في مجالات تعتبر بكل المقاييس حكرا على الرجل حتى في الغرب، فأصبح وجود استشاريات مختصات في طب الجراحة المعقدة وفروع الطب الأخرى الدقيقة من الذين تدربوا في أفضل المؤسسات الطبية الغربية والوطنية وذلك ليس من المستغرب؛ فقد حققت المرأة في الدولة السعودية الحديثة الكثير من الإنجازات بعد أن تم إعطاؤها الفرصة التي تستحقها ولكل مجتهد نصيب.

ميدان التنافس في فرص التعليم والوظائف مفتوح للجميع وليس حكرا على فئة معينة والجميع متساوون، والاختيار يتم بناء على التحصيل العلمي والكفاءة والالتزام وما يقدمه الجميع في مجال عملهم وفي سبيل بناء هذا الوطن وتحقيق الإنجازات الضخمة لبناء حضارتنا.

من البديهي أن إنجازات المرأة أسهمت في منحها الإحساس بالاستقلال والاعتماد على النفس والابتعاد عن الاعتماد الاقتصادي على الرجل، بل إن النساء في كثير من الأسر هم المعيل الرئيس للأسرة فهل استوعبت المرأة هذه المسؤولية؟ وهل أدى ذلك إلى فهم خاطئ لدورها؟ وهل أدى ذلك لتفكك في بعض الأسر؛ لأن الأنثى التي كانت تحس بالاضطهاد وعدم القدرة على اتخاذ قرارات مهمة في حياتها فجأة أحست بنشوة السلطة وتأثيرها الكبير ليس فقط في حياتها الشخصية، بل في حياة كل من حولها؟ فهل أدى ذلك إلى أن تتخذ قرارات متسرعة وخاطئة بدافع التحدي وإثبات الذات والانتقام من «الرجل المتسلط» في حياتها؟

لوحظ ارتفاع نسبة الخلع أحيانا في زيجات مرت عليها سنوات طويلة ومن المفترض أنها مستقرة وأصبح من الواضح لكلا الزوجين دوره في الأسرة؛ فلماذا برزت هذه الظاهرة؟ هل أصبحت إجراءات الخلع سهلة لهذه الدرجة؟ الجواب البديهي هو أن العيش مع زوج أو زوجه سيئ الأخلاق والشخصية ويعاني من النرجسية وعدم احترام شريك الحياة صعب، ولكن ما تأثير ذلك على الأطفال والمجتمع؟ وهل ينصح باستمرار زواج بدعوى تربية الأطفال حتى ولو كان الطرف الآخر لا يحترم قدسية هذا الرابط ويتمادى في العنف أو العلاقات المحرمة؟

يبنى الزواج على الحب واحترام الطرف الآخر؛ فتكون البيئة الأسرية مستقرة ينعم فيها جميع أفراد الأسرة بالحب والدفء العاطفي والاحترام، ويؤدي كلا الزوجين دوره بدافع من الإحساس بالمسؤولية والرغبة في بناء أسرة سعيدة وليس بدافع الاعتماد الاقتصادي على الطرف الآخر، قال تعالى «وجعل بينكم مودة ورحمة» وكم رأينا من مظاهر العبودية المقنعة في زيجات لأن أحد الطرفين يستغل حاجة الطرف الآخر المادية أو الاجتماعية، فتزوج بعض الأسر بناتها للتخلص من المسؤولية الاجتماعية والمادية، فتقع الفتيات في سجن لا مفر منه بسبب الاعتماد الاقتصادي وغياب دعم أسرة الفتاة ويلاحظ ذلك في الكثير من الأسر الفقيرة.

ولكن لننظر للسيدات ممن قررن الانفصال عن أزواجهن بعد توفر الاستقلال المادي ورغبتهن في ممارسة «الحرية» والسفر والخروج بدون قيود فهل تحقق لهن ما كن يحلمن به من استقرار نفسي وعاطفي وأسري ومستقبل سعيد؟ كم من الوقت سيمر قبل أن تدرك المطلقة أنها ارتكبت خطأ جسيما بفقدان أسرة شاركت في بنائها على مدى سنوات وكانت مصدر استقرار عاطفي ونفسي؟

مطلوب دراسات علمية لمتابعة هذه الظاهرة ولكن الملحوظ من خلال ممارستي كطبيب نفسي لأكثر من ثلاثين عاما حالة الندم الشديد التي يمر بها الطرفان وخاصة المطلقات ممن اعتقدن أن الخلع هو المخرج والمنقذ الوحيد لما تعانيه من شعور الإحباط، أو قد يكون هناك تأثير وتشجيع لاتخاذ قرار الانفصال من الأهل أو من «الشلة» المحيطة بالزوج أو الزوجة ممن أحسوا بمتعة الحرية الزائفة بعد الانفصال ليعودوا بعد سنتين أو ثلاث ليعانوا من مرارة الندم وألم العيش وحيدا بعيدا عن الدعم النفسي والعاطفي لشريك الحياة، ولا يحس الشخص بقيمة وجود الطرف الآخر إلا بعد فقدانه.

هذه الظاهرة تتنامى مؤخرا بعد ارتفاع حالات الطلاق في السنوات الأخيرة ولا تتصوروا أن الرجل في وضع أفضل كما يعتقد الكثيرون من الرجال وذلك لعدة أسباب منها؛ ارتفاع تكاليف الزواج والتي يتحمل مسؤوليتها في المجتمعات العربية وخاصة الخليجية الرجل بحكم العادات والتقاليد، وقد لا يتيسر لكثير من الشباب الذي يتحمل الديون ليتزوج أن يعيد الكرة وتحمل المزيد من الديون، ولكن هناك شريحة من الرجال ممن يكابر ويتصور أنه في مركز قوة فيقرر الطلاق في لحظة متسرعة ليجد أن كثيرا من الأسر تتردد في تزويج بناتها لمطلق بسبب التخوف من تكرار نفس السيناريو لبناتهن، ويكتشف الرجل أن حضانة الأطفال تعطى للزوجة ومعها النفقة بالإضافة إلى تكاليف أخرى.

ولا ننسى أن الأطفال هم أكثر من يعاني في حالات الطلاق، فقد يفقد الزوجان القدرة على التفكير المنطقي والعقلاني في سياق الغضب والرغبة في إيلام الطرف الآخر، والانتقام لما تصوروا أنها «الكرامة المجروحة» فيقومون بالتصرف كالمراهقين، ويستخدمون الأطفال كوسائل للانتقام من الطرف الآخر ويتناسون ما يحدثه ذلك من تدمير نفسي لهم، وقد يتفوهون بكثير من الكلمات غير اللائقة عن الطرف الآخر غير مدركين أن الطفل إذا فقد الاحترام وتعلم تجاهل أحد الوالدين سيمارس نفس السلوك تجاه الجانب الآخر وهو مبدأ نفسي معروف؛ لأن الطفل فقد الشعور بأهمية احترام وتقدير الوالدين، ومن ثم يبدأ الوالدان بعرض المكافآت والمال لاستمالة الأطفال ولن يمر وقت طويل قبل أن يبدأ الأطفال بفهم هذه الديناميكية الجديدة ويقومون باستغلالها لكسب المزيد من المزايا من الوالدين المطلقين غير الواعيين لما يحدث، ويتبع ذلك الكثير من سلوكيات التحايل التي يكتسبها الأطفال كنتيجة لهذه البيئة المضطربة وعدم التواصل بين الوالدين الذين قد يستمران في رفع القضايا للانتقام بدافع غير عقلاني والنتيجة مدمرة بكل المقاييس.

كم سيمر من الوقت قبل أن يدرك المجتمع وخاصة الشباب من الجنسين أهمية النضج العاطفي وقيمة تحمل مسؤولية بيت وأطفال والابتعاد عن حب الذات عند اتخاذ القرار بالزواج وتكوين أسرة؟ قد تمر سنوات قبل أن يدرك الجميع أن هناك الكثير ليتعلموه عن ماذا تعني الاستقلالية والحرية الشخصية في سياق ديننا وتقاليدنا وثقافة مجتمعنا، وقد يتسرع البعض باتخاذ قرارات مصيرية بدون تفكير متعمق ليعودوا ويندموا على قرار الانفصال أشد الندم. في أغلب الأحيان قد تمر سنوات من «الاستمتاع بالحرية المكتسبة» قبل أن يصل البعض إلى هذا الاستنتاج، فليس من السهل بدء حياة وتكوين أسرة من جديد بعد تجربة فاشلة لم يستثمر فيها الطرفان بعض الوقت والجهد قبل الاستسلام لقرار الخلع أو الطلاق.

@almaiahmad2