الرأي

«أطفالا نخرج للدنيا»

سارة مطر
في نهاية «ظهرية» ذلك اليوم المشبع بالغيوم، واحتمالات هطول المطر، دخل أبناء أختي قادمين من المدرسة، وفجأة فيصل ذو التسعة أعوام بدا فرحا بشكل كبير، عادة فيصل ليس من الأطفال الذين يعشقون اللعب فقط وتكوين جمهورية من العلاقات الاجتماعية، لكنه في الحقيقة طفل شديد الذكاء وفي ذات الوقت شديد الحساسية، لم أتذكر ولو لمرة أنه كان عدوانيا أو متنمرا، وربما هذا ما دفع زميله الذي يكبره بعدد بسيط من الأعوام، حيث كان في الصف التاسع أن يهبه كيسا مليئا بالكتب، ربما إعجاب زميله به لكونه يجد ابن شقيقتي على الدوام في المكتبة، في وقت الفسحة، ووقت النشاط المعرفي، أو أي فراغ!

هذا السلوك الذي راق للطفل الصغير، هو ما دفعه إلى أن يهدي فيصلا عددا من الكتب، وقال له «اشتريت لك كتبا وفعلت ذلك لنفسي».

فرحة شقيقتي كانت عارمة، ليست الكتب هي التي خلقت في محراب قلبها ذلك الاتساع البهي، وإنما وجدت تلك العلاقة الصحية والحقيقية، والتي للأسف تظهر بشكل جلي في المدارس الخاصة، وأعني بالخاصة تلك التي تعمل بكامل جهدها لكي تقدم للمجتمع جيلا واعيا موهوبا متألقا.

أتفق مع شقيقتي أنها على الرغم من الميزانية التي تنفقها على تعليم أطفالها، إلا أنها لم تندم ولو للحظة في اختيارها مدرسة أكاديمية، تهتم بكل تفاصيل الطلاب معنويا وتعليميا والحرص على زرع الأخلاق والتقيد بها.

فيصل تعارك مع شقيقه، لإصرار شقيقه على أخذ واحد من الكتب المهداة لفيصل، لكن فيصل كان عنيدا جدا «هذه كتبي لي.. لوحدي فقط»، وبعد تدخل الأم وافق فيصل على إعارة شقيقه الذي يكبره بعام ونصف العام.

ظلت السعادة تغمر قلب شقيقتي فهذا ما تتمناه أي أم. النجاح في اختيار بيئة صالحة للدارسة، بدءا من تاريخ ونشأة المدرسة حتى اختيار أفضل المعلمين والمعلمات، حيث يجب أن يكونوا على قدر كبير من المعرفة والخبرة وكيفية التعامل مع الأطفال، وإعطائهم الحق في التحدث والتعبير عن مشاعرهم، وهو أقرب إلى فن الخطابة، الارتجال والحديث بثقة والاتزان، بعيدا عن فيصل وكتبه، عليّ أن أشير إلى أن فن الخطابة في غاية الأهمية وهو ما نشاهده الآن في خطابات الرؤساء حيث الحزم والقوة وسرعة البديهة.

أذكر مرة حضرت صفا لفن الخطابة وجاء الدور لإحدى الفتيات، تقدمت وطلب منها ارتجال فكره معينة، الفتاة الفذة كانت لديها مشكلة وهي التأتأة، وحتى تتخلص من هذه المعاناة كان عليها الانضمام لفريق فن الخطابة. للعلم فقط لا غير أن أغلب الفائزين على مستوى العالم في فن الخطابة هم من هذا الوطن الجليل.

تعجبت من ثقة الفتاة وهي تقف أمام جموع من الجماهير وتتحدث بطلاقة عن موضوع ما، لم تجعل التأتأة حاجزا بينها وبين الآخرين، حتى ما إن انتهت تم التصفيق لها بحرارة.

ورغم شجاعتي النفسية ومحاولتي الدائمة في القيام في التمارين للاستعداد الأمثل والأقوى للرد في الوقت المناسب، إلا أنك إذ أجبرتني ألقي خطابا ثق تماما أنه سيغمى علي مع قليل من التشنجات، أبعدكم الله عنها وعافاكم.

اهتموا بأطفالكم.. لا تكونوا شديدي الأنانية، البعض يشتري سيارة بنصف مليون ريال، لكنه لا يهتم أن يشرك طفله في أي من النشاطات المختلفة بعد حصص المدرسة، حتى يجد الطفل نفسه، ويدرك موهبته، ابنوا مستقبل أبنائكم، افتحوا الأبواب لهم لكي تكتشفوا مواهبهم، وفي هذا السياق تذكرت مرة وأنا أقرأ في الأدب الرياضي الأرجنتيني، واكتشفت أن الدولة وضعت في كل حي ملعبا لممارسة الكرة، ولهذا صنعت الأرجنتين أبطالا رفعوا رأس بلادهم حتى عنان السماء.