الرأي

إلى أين يأخذون هذا العالم؟

طلال الحربي
إن من يراقب الأحداث الجارية في أوكرانيا وجنوب شرق آسيا سوف يرى أن هذا العالم أصبح مختطفا من الدول الساعية إلى توسيع نفوذها العسكري والاقتصادي بكل السبل حتى لو أدى ذلك إلى صدام نووي بين القوى المتصارعة، وهو صراع، في حال حدوثه، سوف يؤدي إلى فناء البشرية.

وقد بات واضحا أن الحرب الدائرة في أوكرانيا هي في الحقيقة حرب بين روسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية السائرة في فلكها. وعلى الرغم من الدعم العسكري الغربي اللامحدود الذي تلقاه فولاديمير زيلينسكي ومحاولات روسيا كسر المقاومة الأوكرانية، إلا أن لا أحد يستطيع التكهن بنهايات هذه الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثاني. لقد استمرت الحربان العالميتان نحو عشر سنوات وأديتا إلى مقتل ما يقارب من 80 مليون إنسان، لذلك يبدو أن علينا أن ننتظر مرور وقت طويل قبل أن تضع الحرب أوزارها.

في غضون ذلك، أخذنا نشم رائحة الصدام النووي، وقد ارتفعت نبرة التهديد بقرب هذا الصدام والتحذير منه وخاصة بعد مذكرة اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من محكمة الجنايات الدولية التي يرأسها كريم أحمد خان، صهر ميرزا طاهر أحمد «الخليفة» الرابع للحركية الأحمدية أو القاديانية المختلف عليها في العالم الإسلامي، وهي المحكمة التي لا تجرؤ على إدانة الجرائم الغربية أو الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

كما زادت وتيرة التهديد باستخدام السلاح النووي بعد زيارة الرئيس الصيني شي جينغ بينغ لموسكو مؤخرا وتأكيده لبوتين وهو يودعه «التغيير قادم وسنقوم به معا. كن حذرا».

وقد رفعت روسيا درجة التحدي في وجه الولايات المتحدة من خلال اعتراض المسيرة الأمريكية في أجواء البحر الأسود وإسقاطها، بينما تحرشت السفن الحربية الصينية بمدمرة أمريكية في بحر الصين الجنوبي وأخرجتها منه.

لهجة التحدي ازدادت على لسان المسؤولين الروس مؤخرا، فنائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف قال الأسبوع الماضي «إن خطر نشوب صراع نووي بلغ الآن أعلى مستوياته منذ عقود»، بينما هدد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيدف بنقل المعركة إلى كييف وحتى إلى ألمانيا وإلى بولندا الدولة الأكثر حماسا في تأييد الموقف الأمريكي والتي احتفت مؤخرا باستقبال وزير الخارجية الإسرائيلي في الوقت الذي تصاعدت فيه الإدانات الدولية لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتطرفين بمحو قرية فلسطينية من على الخريطة وإنكار حتى وجود الشعب الفلسطيني.

بدوره، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، «أخشى أن نكون غير بعيدين عن بداية الحرب العالمية الثالثة».

من الواضح أن الرئيس الأوكراني يريد أن يدخل التاريخ ليحصل على لقب «البطل القومي» ولذلك نرى إصراره على مواصلة الحرب حتى تحرير كامل الأراضي التي تحتلها روسيا ومن ضمنها شبه جزيرة القرم متجاهلا الدمار الذي لحق بالمدن والبنية التحتية في بلاده والخسائر بين قواته التي لم يعلن عنها حتى الآن، وهو يعتمد في ذلك على عدة دبابات ألمانية ومليون قذيفة مدفعية ووعود أمريكية بتزويده بدبابات أبرامز.

في المقابل، تحاول الإدارة الأمريكية لملمة أكبر عدد من الحلفاء حولها في جنوب شرق آسيا، وبخاصة كوريا الجنوبية واليابان التي زار رئيس وزرائها العاصمة الأوكرانية مؤخرا فردت روسيا بالإعلان عن نشر أحدث منظومة صاروخية لديها في جزر الكوريل المتنازع عليها.

في خضم هذا الصراع العلني والخفي والنشاط الإعلامي والسياسي المحموم لا يبدو في الأفق ملامح على انتصارات أمريكية على الأرض وإن كانت المناورات العسكرية مع الدول الحليفة وحشد الأساطيل لا تتوقف. والواضح أن هذه الإدارة لم تتوصل بعد إلى قرار حول كيفية التعامل مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي لا يتوقف عن إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ما يجعل قادة كوريا الجنوبية واليابان ينامون ويصحون على الكوابيس الآتية من الشمال والتي كان آخرها اختبار منظومة جديدة لهجمات نووية تحت الماء من بينها غواصة «مسيرة» مهمتها «التسبب بحدوث تسونامي إشعاعي على نطاق واسع جدا»، من خلال انفجار تحت مياه البحر لتدمير سفن وموانئ معادية.

وبالتأكيد، أن الزعيم الكوري الشمالي، الذي يصطحب طفلته إلى مواقع إطلاق الصواريخ كما لو أنه يأخذها في نزهة، لا يمكن أن يستمر في إقلاق راحة الولايات المتحدة وحلفائها لولا الدعم الذي يتلقاه من الصين وروسيا وسوف يلعب دورا مهما في حال انفجار صراع مسلح بين دول المنطقة وبين الصين والولايات المتحدة، على الرغم من أن كل ما يجري حتى الآن هو اختبار للإرادات وعض الأصابع، لكن أي خطأ مقصود أو عمل متعمد قد يجعل الأوضاع تخرج عن السيطرة في أي مكان، مثلما حدث في الهجوم على القاعدة الأمريكية في دير الزور السورية.

وفي كل الأحول، فإن ما يجري هو حرب تجارية قاسية حتى لو طغت عليها أصوات المدافع، وهي حرب لا تفرق بين العدو والصديق كما حدث في صفقة الغواصات النووية الأمريكية لأستراليا التي كانت على حساب فرنسا التي تمتلئ شوارعها هذه الأيام بملايين المتظاهرين احتجاجا على سياسات ماكرون الذي لا يبدو أنه متحمس للسير إلى ما لا نهاية مع المخطط الأمريكي للهيمنة على العالم.

وفي الوقت الذي يتعالى فيه هذا الضجيج الإعلامي وأصوات طبول الحرب، يستفيق الأمريكان والأوروبيون كل يوم على أخبار إفلاس البنوك وتوقع إعلان مئات الشركات إفلاسها ما ينذر بتحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية قد تكون أكثر قسوة من الحروب العسكرية.

ويظل السؤال: إلى أين يريدون أن يأخذوا هذا العالم؟ ومن الذي أعطاهم الحق في التحكم بمصيره وتجاهل حقنا في الحياة فيه بسلام؟