الرأي

صلح خاسر أفضل من دعوى رابحة

عبدالله قاسم العنزي
كل تشريعات العالم كفلت حق التقاضي للجميع، كما أن أبواب المحاكم مفتوحة لجميع الأفراد للدفاع عن حقوقهم إلا أن البعض يعزفون عن حق التقاضي وآخرون يترددون في اللجوء إلى القضاء أو يكتفون بالدعاء على من سلب حقوقهم والبعض يفضل الحصول على حقوقه منقوصة خارج القضاء من الحصول عليها كاملة داخل معترك أروقة القضاء بسبب إطالة أمد التقاضي في بعض القضايا ولسان حالة مرددا «صلح خاسر خير من دعوى رابحة»!

رغم تقدم القضاء من حيث التقنية المعلوماتية والمرافعات القضائية عن بعد إلا أن هذه الميزة التي حققت قفزة كبيرة في العدالة الناجزة لا تزال محصورة في عقيدة المحكمة أو تدافع المخصوم أو مراوغتهم، وموضوع طول أمد التقاضي أمام المحاكم سواء كان بالطريقة التقليدية أو التقنية الحديثة ليس بجديد وهو سلبية تواجه الكثير من أصحاب الحقوق ولا يوجد فيما أذكر حتى الآن نظام قادر على التحكم بمدة نظر الدعوى أمام القضاء إلا فيما يخص الدعوى المستعجلة!

من إحدى الطرائف المضحكة والشائعة أن أحد المحامين حديثي التخرج ذهب إلى العمل كمحام متدرب في بعض مكاتب المحاماة فأعطاه المحامي إحدى القضايا الشائكة والمنظورة أمام المحاكم منذ سنين فقال الشاب المتخرج حديثا للمحامي ما شأن هذه القضية في طول هذه المدة؟ فقال له المحامي -متهكما- من مميزات هذه القضية أني دربت عليها العديد من زملائك حتى حصلوا على رخصة المحاماة ولم تنته بعد والآن لك الاطلاع عليها ودراستها وإعطائي ما يشكل عليك فيها لنتباحثه سويا!

بغض النظر عن صحة هذه القصة من عدمها فهي واقع موجود في بعض القضايا التي لا تزال مطروحة مدة تفوق المعقول دون اقتصاد في الإجراءات أو الجزم في الفصل فيها، ومن وجهة نظري أن سبب طول أمد التقاضي يعود لعدة أسباب، أذكرها على النحو التالي:

أولا: تباعد الجلسات لكثرة القضايا المنظورة لدى الدائرة القضائية وازدحام جدولتها بمدد طويلة، وبالتأكيد أن مثل هذه الإجراءات يعالجها التفتيش القضائي وذلك من خلال ما يتقدم به الخصوم إلى التفتيش القضائي بالشكوى على الدائرة بسبب تباعد جلسات النظر في الدعوى إذا كان خارجا عن المعقول وغير مبرر.

ثانيا: يعمد بعض الخصوم لأسلوب المماطلة وقد لا يتفطن القضاة لذلك، وقد يلجأ بعض المحامين إلى محاولة إطالة التقاضي من خلال طلب المهلة لتأجيل الجلسة لأكثر من مرة إما للرجوع إلى موكله أو لإكمال البينة وغيره من الأعذار التي تكون سببا في طول القضية، وبالرجوع لنص المادة الـ68 من نظام المرافعات الشرعية نجده ينص على أنه إذا دفع أحد الطرفين بدفع صحيح وطلب الجواب من الطرف الآخر فاستمهل لأجله فللقاضي إمهاله متى رأى ضرورة ذلك على أنه لا يجوز تكرار المهلة لجواب واحد إلا لعذر يقبله القاضي، وهنا تكون مسألة الإذن بإعطاء أحد الخصوم المهلة عائد إلى تقدير القاضي أو الدائرة القضائية، وهذه لا يضبطها إلا القاضي الممارس المدرب الذي قرأ ودرس أوراق القضية وتشبع منها وأصبحت لديه رؤية واضحة عما يتعذر ويدافع به الخصوم.

ثالثا: تعمد بعض القضاة في إطالة مدة التقاضي، خصوصا في قضايا الأحوال الشخصية والتركات اجتهادا منهم في أن تنتهي الخصومة بصلح دون الحكم فيها نظرا لبعد ما قد يترتب على الفصل في الدعوى من قطيعة رحم أو تفرق أسر ونحو ذلك.

رابعا: تأخير حضور الشهود، خصوصا في القضايا الجنائية من رجال الضبط أو تأخير إعداد الرأي الفني من قبل الخبراء، كل هذه الإجراءات لها تأثير كبير في إطالة أمد القضية.

أخيرا، مشكلة إطالة أمد التقاضي لا تعزى إلى جهة معينة أو للهيئة القضائية الموقرة أو المحامون أو الخصوم أو غيرهم ممن له علاقة في إجراءات التقاضي بل جميع هذه الأطراف مسؤولون بالتضامن عن هذه المشكلة.

@expert_55