برهة قلب موازين القوى في لبنان
السبت / 19 / شعبان / 1444 هـ - 23:25 - السبت 11 مارس 2023 23:25
سبعة أشهر مرت على المهلة الدستورية لاختيار رئيس للجمهورية في لبنان قبل أن تنتهي بعدها بشهرين ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشيل عون، من دون أن تتمكن القوى اللبنانية من الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، ونتيجة لذلك دشنت البلاد مرحلة أخرى من الانسداد السياسي تلاشت فيها مؤسسات الدولة اللبنانية ودخلت مذ ذاك في حالة من الفوضى المتقدمة التي تتغذى على التعطيل المفتعل من مختلف القوى اللبنانية؛ بغرض فرض الأمر الواقع على الدولة ومؤسساتها.
ومع غياب الحل الخارجي باتت هذه الحالة تؤشر إلى أن ما تمر به لبنان ليس مجرد خلاف حول المرشح الرئاسي بقدر ما هو إصرار على فرض مسار حقيقي بدأ قديما ويعمل على إعادة صوغ هوية لبنان كأمر واقع، بما يطال مؤسسات رئيسة مثل الحكومة والقضاء ومجلس النواب وقطاع المصارف أيضا، لذا فإن الوقت قد يكون سانحا الآن لإحداث خرق جاد في هذا الأمر الذي يقترب من أن يصبح واقعا، من خلال تعديل موازين القوى في الداخل اللبناني أو ربما قلبها رأسا على عقب.
وقبل أن نخوض في تفصيل الإشكال علينا التنبه إلى جذره، أي عدم إغفال كون النظام السياسي في لبنان وتشكل القوى الداخلية فيه وأحلافها وتوازناتها قد ألزم اللبنانيين على ألا يكون الحل من إنتاجهم إطلاقا، وهذه القاعدة يمكن تعميمها على القرارات السياسية اللبنانية كافة، إذ عليهم دائما استجداء الحلول العابرة للقارات والقوميات والديانات أيضا، فمتى ما توافقت القوى الخارجية صارت بعدها القوى الداخلية مرجحة للدخول في حالة يمكن وصفها بالتوافق؛ وإلا لما عجز مجلس النواب على مدى 15 جلسة من انتخاب رئيس للجمهورية، وهنا مكمن الإحباط، حيث لا مكان للبنان في ملف الأولويات المرتبة أمريكيا بل وحتى إقليميا.
كما أن القوى الخارجية بطبيعتها وظروفها الراهنة غير مهيأة للتوافق على ملف قد يكون ثانويا كملف الرئاسة اللبنانية، وهذا قد انعكس على أحدث التطورات في هذا الملف من خلال إعلان الثنائي الشيعي - حزب الله وحركة أمل - دعمه لترشح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية قبل أن يعلن الأخير نيته الترشح رسميا، وهو المرشح الذي لا يتوافق عليه «التيار الوطني الحر» حليف «حزب الله»، وسنده طوال فترة ميشيل عون الرئاسية، والتيار الوطني الحر هو أيضا الفاعل الأبرز في الشارع المسيحي؛ لذا يبدو أننا أمام تفكك لحلف كان صلبا في التعطيل وفي مواجهة مختلف المكونات والقوى الأخرى.
إن الطريقة التي أعلن فيها الثنائي الشيعي دعمه لفرنجية قد تسببت في تداخل الأوراق الداخلية أكثر، واستغفلت انشغال القوى الخارجية في ملفات أخرى أكثر أهمية، فهي طريقة قد وضعت فرنجية في موضع وجد نفسه ملزما فيه بتوضيح موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية أو العزوف عنها، ومن المتوقع أن يظهر اليوم الأحد ربما في مؤتمر صحفي يبين فيه موقفه النهائي بحسب ما تتناقله الأوساط السياسية اللبنانية، ومن المهم هنا التأكيد على أن فرنجية لا يمكن أن يكون توافقيا في الداخل قبل الخارج، فهو أصبح يكنى بين اللبنانيين بـ»مرشح الشيعة» كدلالة على ارتباطه العضوي بالنظام السوري وحزب الله.
وهذا ما لا يمكن أن تتوافق عليه أيضا القوى الخارجية التي تبحث عن رئيس من خارج منظومة الفساد ويكون على مسافة واحدة من الجميع وقادرا على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، كما أن طريقة الإعلان عن دعم فرنجية قد اضطرت أيضا التيار الوطني الحر أن يكون أمام مسار المواجهة والمعارضة لحليفه السابق «حزب الله»، من خلال التمسك بمرشحه ميشيل عوض، مما يعني أن الثنائي الشيعي أراد أن يدفع بفرنجية إلى الخط الأمامي للمواجهة بينما يبقى في الخلف يحيك خططه الأخرى من داخل الغرف المغلقة، وهدفه الواضح من كل هذا هو تفكيك التكتلات المسيحية ومن ثم تجميع متفرقاتها بما يسمح له أن يفرض الأمر الواقع بالحد الأدنى من عدد الأصوات، وما يمكنه على المدى البعيد من فرض أيديولوجيته على هوية لبنان بالكامل.
يمكن القول إن الوضع القائم لحزب الله، الفاعل الأكثر لعبا في السلطة اللبنانية، في حالة من الوهن المتعاظم بعد تخليه عن الكثير من حلفائه، ومخاطرته الراهنة مع المكونات المسيحية مثل التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والقوات، التي قد تشن هجوما شرسا على الحزب من شأنه تعميق الفجوة بين المكونين؛ لذلك فإن الوقت سانح الآن، بل وربما كانت هذه البرهة أكثر مثالية من أي وقت مضى لإنتاج مقاربة ترسم حلا سياسيا مستداما وأكثر ثباتا في لبنان، وتبنى على مرتكز تقليص نفوذ إيران المتجذر.
وهذا قد يتحقق إذا ما استطاعت القوى الخارجية فرض مزيد من العقوبات على حزب الله وحلفائه إضافة إلى منظومة الفساد كاملة، في مقابل مراقبة القوى الداخلية المسيحية والدرزية والسنية وحضها على عدم الليونة في مواجهة فرنجية وقبله الثنائي الشيعي، ثم إعادة إحياء مؤسسات الدولة بآلية فعالة تتضمن حياد المساءلة ونظافة الاستثمار لمحاولة خلق تنوع سياسي داخل المكون الشيعي أولا، ثم بقية المكونات لاحقا؛ لكي تعطي بديلا مقنعا للمجتمع الشيعي عن الخيار الوحيد الموجود أمامه بعدما رأى سلوك حزب الله العنيف في مواجهة المتظاهرين عام 2019 وجهوده الواضحة في حماية المؤسسات الفاسدة.
@9oba_91
ومع غياب الحل الخارجي باتت هذه الحالة تؤشر إلى أن ما تمر به لبنان ليس مجرد خلاف حول المرشح الرئاسي بقدر ما هو إصرار على فرض مسار حقيقي بدأ قديما ويعمل على إعادة صوغ هوية لبنان كأمر واقع، بما يطال مؤسسات رئيسة مثل الحكومة والقضاء ومجلس النواب وقطاع المصارف أيضا، لذا فإن الوقت قد يكون سانحا الآن لإحداث خرق جاد في هذا الأمر الذي يقترب من أن يصبح واقعا، من خلال تعديل موازين القوى في الداخل اللبناني أو ربما قلبها رأسا على عقب.
وقبل أن نخوض في تفصيل الإشكال علينا التنبه إلى جذره، أي عدم إغفال كون النظام السياسي في لبنان وتشكل القوى الداخلية فيه وأحلافها وتوازناتها قد ألزم اللبنانيين على ألا يكون الحل من إنتاجهم إطلاقا، وهذه القاعدة يمكن تعميمها على القرارات السياسية اللبنانية كافة، إذ عليهم دائما استجداء الحلول العابرة للقارات والقوميات والديانات أيضا، فمتى ما توافقت القوى الخارجية صارت بعدها القوى الداخلية مرجحة للدخول في حالة يمكن وصفها بالتوافق؛ وإلا لما عجز مجلس النواب على مدى 15 جلسة من انتخاب رئيس للجمهورية، وهنا مكمن الإحباط، حيث لا مكان للبنان في ملف الأولويات المرتبة أمريكيا بل وحتى إقليميا.
كما أن القوى الخارجية بطبيعتها وظروفها الراهنة غير مهيأة للتوافق على ملف قد يكون ثانويا كملف الرئاسة اللبنانية، وهذا قد انعكس على أحدث التطورات في هذا الملف من خلال إعلان الثنائي الشيعي - حزب الله وحركة أمل - دعمه لترشح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية قبل أن يعلن الأخير نيته الترشح رسميا، وهو المرشح الذي لا يتوافق عليه «التيار الوطني الحر» حليف «حزب الله»، وسنده طوال فترة ميشيل عون الرئاسية، والتيار الوطني الحر هو أيضا الفاعل الأبرز في الشارع المسيحي؛ لذا يبدو أننا أمام تفكك لحلف كان صلبا في التعطيل وفي مواجهة مختلف المكونات والقوى الأخرى.
إن الطريقة التي أعلن فيها الثنائي الشيعي دعمه لفرنجية قد تسببت في تداخل الأوراق الداخلية أكثر، واستغفلت انشغال القوى الخارجية في ملفات أخرى أكثر أهمية، فهي طريقة قد وضعت فرنجية في موضع وجد نفسه ملزما فيه بتوضيح موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية أو العزوف عنها، ومن المتوقع أن يظهر اليوم الأحد ربما في مؤتمر صحفي يبين فيه موقفه النهائي بحسب ما تتناقله الأوساط السياسية اللبنانية، ومن المهم هنا التأكيد على أن فرنجية لا يمكن أن يكون توافقيا في الداخل قبل الخارج، فهو أصبح يكنى بين اللبنانيين بـ»مرشح الشيعة» كدلالة على ارتباطه العضوي بالنظام السوري وحزب الله.
وهذا ما لا يمكن أن تتوافق عليه أيضا القوى الخارجية التي تبحث عن رئيس من خارج منظومة الفساد ويكون على مسافة واحدة من الجميع وقادرا على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، كما أن طريقة الإعلان عن دعم فرنجية قد اضطرت أيضا التيار الوطني الحر أن يكون أمام مسار المواجهة والمعارضة لحليفه السابق «حزب الله»، من خلال التمسك بمرشحه ميشيل عوض، مما يعني أن الثنائي الشيعي أراد أن يدفع بفرنجية إلى الخط الأمامي للمواجهة بينما يبقى في الخلف يحيك خططه الأخرى من داخل الغرف المغلقة، وهدفه الواضح من كل هذا هو تفكيك التكتلات المسيحية ومن ثم تجميع متفرقاتها بما يسمح له أن يفرض الأمر الواقع بالحد الأدنى من عدد الأصوات، وما يمكنه على المدى البعيد من فرض أيديولوجيته على هوية لبنان بالكامل.
يمكن القول إن الوضع القائم لحزب الله، الفاعل الأكثر لعبا في السلطة اللبنانية، في حالة من الوهن المتعاظم بعد تخليه عن الكثير من حلفائه، ومخاطرته الراهنة مع المكونات المسيحية مثل التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والقوات، التي قد تشن هجوما شرسا على الحزب من شأنه تعميق الفجوة بين المكونين؛ لذلك فإن الوقت سانح الآن، بل وربما كانت هذه البرهة أكثر مثالية من أي وقت مضى لإنتاج مقاربة ترسم حلا سياسيا مستداما وأكثر ثباتا في لبنان، وتبنى على مرتكز تقليص نفوذ إيران المتجذر.
وهذا قد يتحقق إذا ما استطاعت القوى الخارجية فرض مزيد من العقوبات على حزب الله وحلفائه إضافة إلى منظومة الفساد كاملة، في مقابل مراقبة القوى الداخلية المسيحية والدرزية والسنية وحضها على عدم الليونة في مواجهة فرنجية وقبله الثنائي الشيعي، ثم إعادة إحياء مؤسسات الدولة بآلية فعالة تتضمن حياد المساءلة ونظافة الاستثمار لمحاولة خلق تنوع سياسي داخل المكون الشيعي أولا، ثم بقية المكونات لاحقا؛ لكي تعطي بديلا مقنعا للمجتمع الشيعي عن الخيار الوحيد الموجود أمامه بعدما رأى سلوك حزب الله العنيف في مواجهة المتظاهرين عام 2019 وجهوده الواضحة في حماية المؤسسات الفاسدة.
@9oba_91