اتجاه الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني
الاحد / 13 / شعبان / 1444 هـ - 00:06 - الاحد 5 مارس 2023 00:06
دخل العالم هذا الأسبوع عاما ثانيا منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وهي حرب معقدة لا يمكن التنبؤ بسلوكها بدقة، كما أنها حرب مكلفة قد كلفت الاقتصاد العالمي نحو 1.3 تريليون دولار في 2022 فقط، وقد تكلف 1 تريليون آخر هذا العام، بحسب المعهد الاقتصادي الألماني (IW).
وفي هذه المناسبة أطلقت أطراف الحرب تصريحات توحي بجديتهم في حسم المعارك لصالحهم خلال هذه السنة، فروسيا تراهن على أن الوقت كفيل بتجفيف منابع الدعم الغربي لأوكرانيا، وخاصة الدعم الأوروبي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على مكتسباتها على الأرض بصعوبة بالغة، فيما تتمسك أوكرانيا بحقها في محاولة الانتصار من خلال الاعتماد على دعم حلفائها المستمر والمتضخم.
وعلى وقع هذا الاستنزاف من الطرفين طلت الصين بمبادرة عائمة تبحث عن إنهاء الحرب وتتعهد بمواصلة لعب دور بناء في استئناف محادثات السلام، ليتساءل العالم عن مصير هذه الحرب في عامها الثاني ومدى صمود الطرفين في المواجهات المرتقبة، خاصة مع تمسك كل الأطراف بمواقف ثابتة من شأنها أن تعقد المسألة إلى درجة تزيد من أهميتها الجيوستراتيجية وتجعل منها صراعا خطرا على البقاء.
ففي روسيا ظهر الرئيس فلاديمير بوتين في خطاب أمام مجلس الدوما معلقا على الذكرى الأولى لنشوب الحرب، وقد انضم إلى الحضور نخبة من السياسيين والعسكريين المقاتلين في أوكرانيا، في دلالة على أن الشعب الروسي متماسك ومتوحد مع أهداف قيادته السياسية والعسكرية، وفيما تبين للوهلة الأولى أن كلمته لم تأت بجديد بل كانت تعيد تدوير جميع أساليب الوعيد والتهديد التي كانت تطرح خلال العام الأول من الحرب؛ بدا أن بوتين كان ينوي إظهار جديته بالقفز درجة أخرى في سلم الصراع من خلال حرصه على التأكيد بأن بلاده قادرة على مواجهة مع الغرب قد يطول مداها أكثر، وأن الخيار الوحيد المتاح أمام القرار السياسي والعسكري في روسيا هو الانتصار في الحرب فقط بعدما كان يبدي استعداده دائما للتفاوض غير المشروط، إذ ذكر أن روسيا «ستتعامل مع الأهداف التي تقع أمامها خطوة بخطوة وبعناية ومنهجية» بما في ذلك احتمالية تحويل الصراع في أوكرانيا إلى مواجهة عالمية، مشددا على أن هزيمة روسيا في المعركة مستحيلة، ما يعني أن بوتين قد وضع أمن روسيا بالكامل في أيدي هذه الحرب.
ولم يكن بمقدور بوتين أن يبدي استعداده للانتقال بالصراع إلى هذا الحد لولا أنه اكتسب طمأنة من ناحية التأييد الداخلي عقب اضمحلاله سابقا نتيجة قرار التعبئة الجزئية، وفي هذا الإطار أفاد استطلاع لمعهد «ليفادا»، وهو معهد مستقل يعتمد أساليب العمل الأمريكية، بأن 83% من المستجيبين للاستطلاع في الداخل الروسي يدعمون أنشطة بوتين كرئيس، في زيادة عن معدل دعمه كرئيس قبل الحرب بمقدار 12%، كما زادت المشاعر الإيجابية بمعدل 17% لتصل إلى نسبة 69% ممن يعتقدون بأن روسيا تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن المعلقين الغربيين يعتقدون بأن هناك صعوبة بالغة في تجسيد مظاهر التأييد الداخلي نظرا لما يعتبرونه حملة روسية غير مسبوقة على المعارضة، من شأنها أن تجعل معرفة الحجم الحقيقي للرأي العام أكثر تعقيدا، وهذه الآمال مبنية على افتراض تأكيدها في نتائج الانتخابات الرئاسية في روسيا العام المقبل التي من البديهي أن يترشح إليها بوتين، لكن مع الانتباه إلى أن الغرب يستحيل أن ينظر إلى روسيا إلا من خلال عدسة منحازة لكونه الطرف الثاني الفعلي في الحرب وليس أوكرانيا؛ يمكن الزعم بأن هناك تأييدا داخليا متزايدا وغيابا واضحا للمعارضة، سواء أكان ذلك بتكتيك روسي مسبق أم كان حقيقة واقعية، وهذا ما يمكن اعتباره بمثابة الشرعية الداخلية التي تستند إليها خطط بوتين وعمليات جيشه في أوكرانيا.
ويبدو أن الأجهزة الاستخبارية الغربية تعمل راهنا على استراتيجية لنقل الصراع إلى مرحلة أخرى تنسجم مع مرحلة الاستنزاف الراهنة، وهذه مرحلة خطرة تزيد من حجم التهديدات في العالم وتدفع العلاقات بين الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة أيضا في الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تقييم السلوكيات الدولية من منظور صراعي صرف، وهي استراتيجية بدأت بخطوة أولى تتحدث عن تضاؤل مخزون الأسلحة الروسية الصالحة للاستخدام الفعال، بل وحتى اقترابها من حالة النفاد، وذلك بعدما تضرر هذا القطاع نتيجة خسائر روسيا في ساحة المعركة مضافا إليها أثر العقوبات المفروضة ضد الاقتصاد الروسي، وبالتالي فإن روسيا ستكون بحاجة إلى استيراد العتاد الفتاك والمعدات الثقيلة من دول أخرى بإمكانها خرق عزلة سلاسل التوريد التي تغذي الجيش الروسي، والخيارات الحقيقية المتاحة أمام روسيا في هذه الحالة هي ثلاث دول فقط: كوريا الشمالية والصين، وإيران التي يرى الغرب أنها بالفعل كانت قد صدرت طائرات مسيرة استخدمتها روسيا في ضرب البنية التحتية لأوكرانيا، أي أن الخطوة الثانية في هذه الاستراتيجية هي دفع الصين إلى السقوط في الفخ الروسي لتتوحد بعدها جهود التعامل مع كليهما في سلة سياسات واحدة.
وقد طالت الصين اتهامات من وكالة الاستخبارات الأمريكية وأجهزة غربية أخرى تحذر من عزمها تزويد الجيش الروسي بذخيرة وطائرات مسيرة، وأن القرار النهائي لم يتخذ حتى الآن في الصين لكن المفاوضات بينها وبين روسيا جارية للتفاوض على ثمن ونوعية المعدات، لكن يبدو أن هذه الاتهامات لم تبن على حقائق موجودة فعليا على الأرض؛ ليس فقط لأن الصين نفت تلك الاتهامات بشدة وشددت على اتباعها نهجا مسؤولا تجاه الصادرات العسكرية، خاصة في مناطق الصراع، ولكن أيضا لأن رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف نفى بشدة أن يكون هناك أي مؤشر على هذه الخطوة، كما أن هذه الاتهامات أخذت تتزايد بعدما جالت المبادرة الصينية ذات الملامح الأولية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية معظم دبلوماسيات العالم، ويمكن القول إن تلك المبادرة قد خرجت من رحم فهم صيني جلي لدفعها في فخ استنزاف آخر سواء أكان بصحبة روسيا في أوكرانيا أم من خلال إشعال مناطق صراع أخرى في تايوان أو اليابان أو كوريا الجنوبية، إذ أظهرت بنودها إصرارا صينيا على التمسك بمقاربتها لصياغة نظام دولي جديد متعدد القطبية يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية والالتزام بالحوار كحل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي فإن مصالحها لا يمكن أن تتحقق إلا بوقف الصراعات والحروب.
وفي المحصلة، تتجه الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني إلى مزيد من التعقيد العسكري الذي يحركه هاجس البقاء الروسي والأوكراني والصيني أيضا بمشيئة غربية محضة، وتحركه بالدرجة نفسها رغبة الاستنزاف من الطرفين بما لا يؤشر إطلاقا إلى أي اتجاه لوقف للحرب في هذا العام، كما تتجه الحرب إلى مزيد من التصعيد السياسي الذي يتزايد خطره بناء على ما يمكن أن ينتج من تفاعل كل العوامل محل النقاش هنا، التي أثبتت أنها تخفي تحت عباءتها مصالح أخرى غير المصالح المعلنة سواء في نطاق الحرب نفسها أم في مواقف ومبادرات الدول تجاهها.
@9oba_91
وفي هذه المناسبة أطلقت أطراف الحرب تصريحات توحي بجديتهم في حسم المعارك لصالحهم خلال هذه السنة، فروسيا تراهن على أن الوقت كفيل بتجفيف منابع الدعم الغربي لأوكرانيا، وخاصة الدعم الأوروبي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على مكتسباتها على الأرض بصعوبة بالغة، فيما تتمسك أوكرانيا بحقها في محاولة الانتصار من خلال الاعتماد على دعم حلفائها المستمر والمتضخم.
وعلى وقع هذا الاستنزاف من الطرفين طلت الصين بمبادرة عائمة تبحث عن إنهاء الحرب وتتعهد بمواصلة لعب دور بناء في استئناف محادثات السلام، ليتساءل العالم عن مصير هذه الحرب في عامها الثاني ومدى صمود الطرفين في المواجهات المرتقبة، خاصة مع تمسك كل الأطراف بمواقف ثابتة من شأنها أن تعقد المسألة إلى درجة تزيد من أهميتها الجيوستراتيجية وتجعل منها صراعا خطرا على البقاء.
ففي روسيا ظهر الرئيس فلاديمير بوتين في خطاب أمام مجلس الدوما معلقا على الذكرى الأولى لنشوب الحرب، وقد انضم إلى الحضور نخبة من السياسيين والعسكريين المقاتلين في أوكرانيا، في دلالة على أن الشعب الروسي متماسك ومتوحد مع أهداف قيادته السياسية والعسكرية، وفيما تبين للوهلة الأولى أن كلمته لم تأت بجديد بل كانت تعيد تدوير جميع أساليب الوعيد والتهديد التي كانت تطرح خلال العام الأول من الحرب؛ بدا أن بوتين كان ينوي إظهار جديته بالقفز درجة أخرى في سلم الصراع من خلال حرصه على التأكيد بأن بلاده قادرة على مواجهة مع الغرب قد يطول مداها أكثر، وأن الخيار الوحيد المتاح أمام القرار السياسي والعسكري في روسيا هو الانتصار في الحرب فقط بعدما كان يبدي استعداده دائما للتفاوض غير المشروط، إذ ذكر أن روسيا «ستتعامل مع الأهداف التي تقع أمامها خطوة بخطوة وبعناية ومنهجية» بما في ذلك احتمالية تحويل الصراع في أوكرانيا إلى مواجهة عالمية، مشددا على أن هزيمة روسيا في المعركة مستحيلة، ما يعني أن بوتين قد وضع أمن روسيا بالكامل في أيدي هذه الحرب.
ولم يكن بمقدور بوتين أن يبدي استعداده للانتقال بالصراع إلى هذا الحد لولا أنه اكتسب طمأنة من ناحية التأييد الداخلي عقب اضمحلاله سابقا نتيجة قرار التعبئة الجزئية، وفي هذا الإطار أفاد استطلاع لمعهد «ليفادا»، وهو معهد مستقل يعتمد أساليب العمل الأمريكية، بأن 83% من المستجيبين للاستطلاع في الداخل الروسي يدعمون أنشطة بوتين كرئيس، في زيادة عن معدل دعمه كرئيس قبل الحرب بمقدار 12%، كما زادت المشاعر الإيجابية بمعدل 17% لتصل إلى نسبة 69% ممن يعتقدون بأن روسيا تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن المعلقين الغربيين يعتقدون بأن هناك صعوبة بالغة في تجسيد مظاهر التأييد الداخلي نظرا لما يعتبرونه حملة روسية غير مسبوقة على المعارضة، من شأنها أن تجعل معرفة الحجم الحقيقي للرأي العام أكثر تعقيدا، وهذه الآمال مبنية على افتراض تأكيدها في نتائج الانتخابات الرئاسية في روسيا العام المقبل التي من البديهي أن يترشح إليها بوتين، لكن مع الانتباه إلى أن الغرب يستحيل أن ينظر إلى روسيا إلا من خلال عدسة منحازة لكونه الطرف الثاني الفعلي في الحرب وليس أوكرانيا؛ يمكن الزعم بأن هناك تأييدا داخليا متزايدا وغيابا واضحا للمعارضة، سواء أكان ذلك بتكتيك روسي مسبق أم كان حقيقة واقعية، وهذا ما يمكن اعتباره بمثابة الشرعية الداخلية التي تستند إليها خطط بوتين وعمليات جيشه في أوكرانيا.
ويبدو أن الأجهزة الاستخبارية الغربية تعمل راهنا على استراتيجية لنقل الصراع إلى مرحلة أخرى تنسجم مع مرحلة الاستنزاف الراهنة، وهذه مرحلة خطرة تزيد من حجم التهديدات في العالم وتدفع العلاقات بين الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة أيضا في الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تقييم السلوكيات الدولية من منظور صراعي صرف، وهي استراتيجية بدأت بخطوة أولى تتحدث عن تضاؤل مخزون الأسلحة الروسية الصالحة للاستخدام الفعال، بل وحتى اقترابها من حالة النفاد، وذلك بعدما تضرر هذا القطاع نتيجة خسائر روسيا في ساحة المعركة مضافا إليها أثر العقوبات المفروضة ضد الاقتصاد الروسي، وبالتالي فإن روسيا ستكون بحاجة إلى استيراد العتاد الفتاك والمعدات الثقيلة من دول أخرى بإمكانها خرق عزلة سلاسل التوريد التي تغذي الجيش الروسي، والخيارات الحقيقية المتاحة أمام روسيا في هذه الحالة هي ثلاث دول فقط: كوريا الشمالية والصين، وإيران التي يرى الغرب أنها بالفعل كانت قد صدرت طائرات مسيرة استخدمتها روسيا في ضرب البنية التحتية لأوكرانيا، أي أن الخطوة الثانية في هذه الاستراتيجية هي دفع الصين إلى السقوط في الفخ الروسي لتتوحد بعدها جهود التعامل مع كليهما في سلة سياسات واحدة.
وقد طالت الصين اتهامات من وكالة الاستخبارات الأمريكية وأجهزة غربية أخرى تحذر من عزمها تزويد الجيش الروسي بذخيرة وطائرات مسيرة، وأن القرار النهائي لم يتخذ حتى الآن في الصين لكن المفاوضات بينها وبين روسيا جارية للتفاوض على ثمن ونوعية المعدات، لكن يبدو أن هذه الاتهامات لم تبن على حقائق موجودة فعليا على الأرض؛ ليس فقط لأن الصين نفت تلك الاتهامات بشدة وشددت على اتباعها نهجا مسؤولا تجاه الصادرات العسكرية، خاصة في مناطق الصراع، ولكن أيضا لأن رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف نفى بشدة أن يكون هناك أي مؤشر على هذه الخطوة، كما أن هذه الاتهامات أخذت تتزايد بعدما جالت المبادرة الصينية ذات الملامح الأولية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية معظم دبلوماسيات العالم، ويمكن القول إن تلك المبادرة قد خرجت من رحم فهم صيني جلي لدفعها في فخ استنزاف آخر سواء أكان بصحبة روسيا في أوكرانيا أم من خلال إشعال مناطق صراع أخرى في تايوان أو اليابان أو كوريا الجنوبية، إذ أظهرت بنودها إصرارا صينيا على التمسك بمقاربتها لصياغة نظام دولي جديد متعدد القطبية يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية والالتزام بالحوار كحل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي فإن مصالحها لا يمكن أن تتحقق إلا بوقف الصراعات والحروب.
وفي المحصلة، تتجه الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني إلى مزيد من التعقيد العسكري الذي يحركه هاجس البقاء الروسي والأوكراني والصيني أيضا بمشيئة غربية محضة، وتحركه بالدرجة نفسها رغبة الاستنزاف من الطرفين بما لا يؤشر إطلاقا إلى أي اتجاه لوقف للحرب في هذا العام، كما تتجه الحرب إلى مزيد من التصعيد السياسي الذي يتزايد خطره بناء على ما يمكن أن ينتج من تفاعل كل العوامل محل النقاش هنا، التي أثبتت أنها تخفي تحت عباءتها مصالح أخرى غير المصالح المعلنة سواء في نطاق الحرب نفسها أم في مواقف ومبادرات الدول تجاهها.
@9oba_91