يا أخي حسين بافقيه.. لا تهدأ
الاثنين / 7 / شعبان / 1444 هـ - 23:48 - الاثنين 27 فبراير 2023 23:48
أعلن الأستاذ حسين بافقيه في صفحته الفيس بوكية قراره بأخذ استراحة محارب والابتعاد عن الساحة الأدبية، فخرجت هذه السطور؛ لأنه يتعب على نصه فهو مميز، ولأنه يجاهد في سبيل التنقيب عن المعلومة فهو مميز، ولأنه صارم في استخدام أدواته الأدبية فهو مميز، لكن التميز وحده لا ينصفه ولا يصفه، بالنسبة للإنصاف لا عليكم هو يعرف - وهو الناقد الأدبي - أن دون ذلك الزمن، الزمن وليس المنصب هو ميزان العدل في عالم الأدب والتراث على حد وصف الوزير والأديب السعودي غازي القصيبي، أما وصف الأستاذ حسين بافقيه فتلك قصة أخرى، لا يكفي ولا يشفي أن يكون الوصف مقتصرا على ما يكتبه فقط، لا بد من الخوض في حسين باقفيه الإنسان بالرغم من بلاغته وعلمه.
في أول لقاء لي مع الأستاذ حسين بافقيه تعرفت على رجل يمشي وكأنه يحاور خطواته، لغته الجسدية تدرس كل حركة، عينه تسجل وأذنه تكتب، يلبس الغترة ويعقل رأسه بدون تكلف، ثوبه طبيعي من دون تفاصيل، لا يلبس القلاب (الياقة)، وكمه لا يغطي معصمه، لا تظن للحظة أن هذه تفاصيل صغيرة عنده، أكاد أجزم أنه فاوض هندامه ونقد أسباب خروجه إلى مقصده،
تعددت اللقاءات في مقاهي جدة المتناثرة، حين يجلس يرتاح جسده معه، يصمت قليلا ليخرج صوته وفيه مطه توحي بأنه سعيد، يحلو له أن يبدأ جملته بكلمة «ياااا أخي» الممطوطة، يحب الناس ويحب الاجتماع والمجتمع كحبه للقراءة والكتابة، لكنه يختار الزمان والمكان، ليس عشوائيا في اجتماعياته ولا هو منعزلا عن المجتمع، هو كمن يصيد بالصنارة لا الشبك، تجد دليل ذلك من عنوان أحد كتبه «كلكم يطلب صيد»، بوح صغير يفصح عنه الإنسان عند تسمية أبنائه، وقد فاق أبناء بافقيه الأدبية العشرين كتابا.
بدون أي شك هو مثقف بالسليقة، ومن بين الأدباء في الميدان، أساتذة وتلامذة، طامحون ومتنطحون، هو لا يشبه أحدا، بالرغم من ذلك تجده مصرا بين الفينة والأخرى على إثبات استقلاليته، فلا يكف عن إنكار دروشته أو تبعيته لأحد، لعله عاصر تجربة في الماضي تحولت إلى هاجس أمني عنده، لكن حسين بافقيه مجبول على النقد، لا يهادن أو يراعي عندما تتحرك ماكينات عقله النقدية، أكبر مثال على ذلك حين نشر بافقيه نقدا لقصيدة الوزير والشاعر عبدالعزيز خوجة، يومها فصفص حسين بافقيه قصيدة معالي الوزير، وظن الناس أن الوزير عبدالعزيز خوجة سيغضب، إلا أن خوجة بصدره الرحب ومناقبيته العالية تقبل النقد لأنه يعرف حسين بافقيه الإنسان ويعرف قيمة الناقد، وأنا أعرف قدر احترام حسين بافقيه الإنسان لصديقه ومديره في العمل عبد العزيز خوجة، على عكس ما حصل مع أحد وزراء الإعلام السابقين، يومها أمر معالي وزير الإعلام السعودي السابق بمنع نشر مقالات حسين بافقيه في الصحف السعودية، لربما لم يكن يعرف الوزير حسين بافقيه الإنسان، أو أنه لا يعرف النقد من أساسه.
حسين بافقيه ناقد وهذه شيمته، الساحة الأدبية عنده قطاع عام لا خاص، أي لا مكان للواسطة والشللية، لأجل ذلك الصداقة عنده لا تلغي النقد مثل ما أن الصدقة لا تلغي الزكاة، صحيح يحب المشاغبة الأدبية، ويتحدى النمطية؛ لأنه يكره العنصرية بأنواعها، الجملة عنده لا تخضع للتصنيف التقليدي بين جملة إنشائية وتقريرية، لا توجد عنده جملة راقية وجملة هابطة، ما دامت الجملة قد نزلت إلى الساحة الأدبية فهي عرضة للنقد، ولو كان هناك جيش من الأدباء لكان هو من كتيبة الشهداء؛ لأنه أول من يقفز إلى ساحة المعركة.
صريح جدا، فصيح بالعامية، لا يحبس معلومة أو فكرة، ثقة فائضة، ذو كبرياء من دون تكبر، وأخلاق مهنية عالية، لكنه ناقد بالفطرة، ولا تظن أن هذه مهمة أو مشقة، فكلامه دقيق، ونصه عميق، يمزج بين الجديد والقديم، قديم لأنه يسعى على تشكيل حروف نصه فتخرج المقالة تراثية في الشكل، في المضمون هناك روح وعقل، وكأن روحه متعلقة بجيل الرواد من الأدباء في السعودية، فتأبى هذه الروح ألا تنسكب بعضا منها من قلمه، أما عقله فإنه يقف على ناصية الحداثة معملا العقل، يحلل ويسقط بأدوات عصرية، محافظا على المنهجية ذاتها في كلامه اليومي عن الأدب.
يقول لي الأستاذ حسين «أما الفيس بوك يا طارق فلا يخفى عليك هو مركازي»، والمركاز في الدارجة لأهل الحجاز هو المكان أو المقر الذي يجلس إليه المثقف وأصدقاؤه للحديث بعد يوم طويل في شؤون الحياة، مركاز حسين بافقيه متكامل العناصر، ذلك أنه يفرغ ما عنده من نقد أو قراءة على توقيت الفكرة متى ما صيغت، وعليه تخاض معارك أدبية ومراجعات نصية، كل ذلك على صفحة فيس بوك تجبرني على متابعتها كل فترات اليوم الواحد.
ثمة موضوع آخر أثار ماكينة عقلي في مركاز حسين بافقيه بعد مشاركة ديباجة كتابه «في حب غازي القصيبي» وبعنوان لافت «ماذا تبقى من القصيبي للتاريخ؟»، عرف عن الوزير والشاعر السعودي غازي القصيبي تقلده مناصب حكومية رفيعة عديدة، وقد اقتبس الأستاذ بافقيه كلام القصيبي «أن المناصب لا تهم كثيرا أو قليلا في ميزان الأدب»، وقد استدل على ذلك القصيبي متسائلا إن كان يتذكر أحد أن الشاعر بدوي الجبل كان وزيرا للصحة؟ أو أن الشاعر عمر أبو ريشة كان سفيرا؟ أو حتى أن جوته كان وزير مالية في مقاطعته؟ لربما شارك حسين بافقيه الإنسان ذلك ليفصح قليلا من ذاته، فهو من أعلن أنه بصدد كتابة سيرته الذاتية.
حسين بافقيه ناقد بالولادة، هو إنسان ينتقد ذاته، عائلته، جيرانه، تراثه، صادق مع نفسه، متصالح مع أفكاره، والأهم واثق من أدواته الأدبية التي صقلها، ولكل من يسعى إلى مبارزته في الأدب استعدوا بكل ما أوتيتم من قوة، حسين بافقيه أديب وناقد متميز لأقصى حد، ولا يهدأ.
في أول لقاء لي مع الأستاذ حسين بافقيه تعرفت على رجل يمشي وكأنه يحاور خطواته، لغته الجسدية تدرس كل حركة، عينه تسجل وأذنه تكتب، يلبس الغترة ويعقل رأسه بدون تكلف، ثوبه طبيعي من دون تفاصيل، لا يلبس القلاب (الياقة)، وكمه لا يغطي معصمه، لا تظن للحظة أن هذه تفاصيل صغيرة عنده، أكاد أجزم أنه فاوض هندامه ونقد أسباب خروجه إلى مقصده،
تعددت اللقاءات في مقاهي جدة المتناثرة، حين يجلس يرتاح جسده معه، يصمت قليلا ليخرج صوته وفيه مطه توحي بأنه سعيد، يحلو له أن يبدأ جملته بكلمة «ياااا أخي» الممطوطة، يحب الناس ويحب الاجتماع والمجتمع كحبه للقراءة والكتابة، لكنه يختار الزمان والمكان، ليس عشوائيا في اجتماعياته ولا هو منعزلا عن المجتمع، هو كمن يصيد بالصنارة لا الشبك، تجد دليل ذلك من عنوان أحد كتبه «كلكم يطلب صيد»، بوح صغير يفصح عنه الإنسان عند تسمية أبنائه، وقد فاق أبناء بافقيه الأدبية العشرين كتابا.
بدون أي شك هو مثقف بالسليقة، ومن بين الأدباء في الميدان، أساتذة وتلامذة، طامحون ومتنطحون، هو لا يشبه أحدا، بالرغم من ذلك تجده مصرا بين الفينة والأخرى على إثبات استقلاليته، فلا يكف عن إنكار دروشته أو تبعيته لأحد، لعله عاصر تجربة في الماضي تحولت إلى هاجس أمني عنده، لكن حسين بافقيه مجبول على النقد، لا يهادن أو يراعي عندما تتحرك ماكينات عقله النقدية، أكبر مثال على ذلك حين نشر بافقيه نقدا لقصيدة الوزير والشاعر عبدالعزيز خوجة، يومها فصفص حسين بافقيه قصيدة معالي الوزير، وظن الناس أن الوزير عبدالعزيز خوجة سيغضب، إلا أن خوجة بصدره الرحب ومناقبيته العالية تقبل النقد لأنه يعرف حسين بافقيه الإنسان ويعرف قيمة الناقد، وأنا أعرف قدر احترام حسين بافقيه الإنسان لصديقه ومديره في العمل عبد العزيز خوجة، على عكس ما حصل مع أحد وزراء الإعلام السابقين، يومها أمر معالي وزير الإعلام السعودي السابق بمنع نشر مقالات حسين بافقيه في الصحف السعودية، لربما لم يكن يعرف الوزير حسين بافقيه الإنسان، أو أنه لا يعرف النقد من أساسه.
حسين بافقيه ناقد وهذه شيمته، الساحة الأدبية عنده قطاع عام لا خاص، أي لا مكان للواسطة والشللية، لأجل ذلك الصداقة عنده لا تلغي النقد مثل ما أن الصدقة لا تلغي الزكاة، صحيح يحب المشاغبة الأدبية، ويتحدى النمطية؛ لأنه يكره العنصرية بأنواعها، الجملة عنده لا تخضع للتصنيف التقليدي بين جملة إنشائية وتقريرية، لا توجد عنده جملة راقية وجملة هابطة، ما دامت الجملة قد نزلت إلى الساحة الأدبية فهي عرضة للنقد، ولو كان هناك جيش من الأدباء لكان هو من كتيبة الشهداء؛ لأنه أول من يقفز إلى ساحة المعركة.
صريح جدا، فصيح بالعامية، لا يحبس معلومة أو فكرة، ثقة فائضة، ذو كبرياء من دون تكبر، وأخلاق مهنية عالية، لكنه ناقد بالفطرة، ولا تظن أن هذه مهمة أو مشقة، فكلامه دقيق، ونصه عميق، يمزج بين الجديد والقديم، قديم لأنه يسعى على تشكيل حروف نصه فتخرج المقالة تراثية في الشكل، في المضمون هناك روح وعقل، وكأن روحه متعلقة بجيل الرواد من الأدباء في السعودية، فتأبى هذه الروح ألا تنسكب بعضا منها من قلمه، أما عقله فإنه يقف على ناصية الحداثة معملا العقل، يحلل ويسقط بأدوات عصرية، محافظا على المنهجية ذاتها في كلامه اليومي عن الأدب.
يقول لي الأستاذ حسين «أما الفيس بوك يا طارق فلا يخفى عليك هو مركازي»، والمركاز في الدارجة لأهل الحجاز هو المكان أو المقر الذي يجلس إليه المثقف وأصدقاؤه للحديث بعد يوم طويل في شؤون الحياة، مركاز حسين بافقيه متكامل العناصر، ذلك أنه يفرغ ما عنده من نقد أو قراءة على توقيت الفكرة متى ما صيغت، وعليه تخاض معارك أدبية ومراجعات نصية، كل ذلك على صفحة فيس بوك تجبرني على متابعتها كل فترات اليوم الواحد.
ثمة موضوع آخر أثار ماكينة عقلي في مركاز حسين بافقيه بعد مشاركة ديباجة كتابه «في حب غازي القصيبي» وبعنوان لافت «ماذا تبقى من القصيبي للتاريخ؟»، عرف عن الوزير والشاعر السعودي غازي القصيبي تقلده مناصب حكومية رفيعة عديدة، وقد اقتبس الأستاذ بافقيه كلام القصيبي «أن المناصب لا تهم كثيرا أو قليلا في ميزان الأدب»، وقد استدل على ذلك القصيبي متسائلا إن كان يتذكر أحد أن الشاعر بدوي الجبل كان وزيرا للصحة؟ أو أن الشاعر عمر أبو ريشة كان سفيرا؟ أو حتى أن جوته كان وزير مالية في مقاطعته؟ لربما شارك حسين بافقيه الإنسان ذلك ليفصح قليلا من ذاته، فهو من أعلن أنه بصدد كتابة سيرته الذاتية.
حسين بافقيه ناقد بالولادة، هو إنسان ينتقد ذاته، عائلته، جيرانه، تراثه، صادق مع نفسه، متصالح مع أفكاره، والأهم واثق من أدواته الأدبية التي صقلها، ولكل من يسعى إلى مبارزته في الأدب استعدوا بكل ما أوتيتم من قوة، حسين بافقيه أديب وناقد متميز لأقصى حد، ولا يهدأ.