ماذا يعني يوم التأسيس لنا ولغيرنا؟
السبت / 5 / شعبان / 1444 هـ - 21:31 - السبت 25 فبراير 2023 21:31
احتفلت المملكة العربية السعودية هذه الأيام بمناسبة يوم تأسيس الدولة لأول مرة قبل ثلاثة قرون، إذ جاء الأمر الملكي الكريم بإقرار تاريخ 22 فبراير من كل عام من منطلق اعتزاز الدولة بجذورها الراسخة منذ عام 1727، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود، الجد الرابع للملك عبدالعزيز، الذي أرسى من إمارته في الدرعية أول دولة مركزية موحدة في الجزيرة العربية، منذ قرابة أحد عشر قرنا مضت قبله، اتسمت معظم سنواتها بالاقتتال والاحتراب القبلي بسبب غياب الإدارة الرشيدة لمساحات البلاد الشاسعة من ناحية، وأطماع القوى الأجنبية وتبعية بعض الفاعلين في الجزيرة العربية لهم من ناحية أخرى، وهذا التأسيس هو على خلاف كافة النماذج المحيطة بالمملكة والبعيدة عنها أيضا، إذ نشأ جذره ذاتيا ومستقلا دون أن تصفف له الأنظمة أو ترتصف لخدمته الجيوش، ودون أن ترسي قواعده قوى أجنبية؛ لذا فهو يرمز إلى صلابة وحدوية القيادة والشعب السعودي وذاتية أصالتهما ومدنيتهما.
وقد يكون من المهم لفت الانتباه إلى أن الدرعية التي أسس منها الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية قبل ثلاثة قرون، كانت قد تأسست قبله بحوالي ثلاثة قرون أخرى في عام 1446 على يد مانع المريدي، الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز، ويشي اختيار الدرعية كمنطلق لتأسيس الدولة وعاصمتها الأولى إلى أن ملاءمتها لاستراتيجية الدولة المركزية الموحدة كانت في أذهان جيل التأسيس المتطلع والطموح؛ إذ تتميز الدرعية بوقوعها على أهم أودية نجد على الإطلاق وهو وادي حنيفة، كما كانت تقع على إحدى أهم الطرق التجارية القديمة التي تنطلق من جنوب الجزيرة العربية وتصل إلى العراق شرقا والحجاز غربا ودومة الجندل شمالا، وهي نفسها طريق الحج للقادمين من العراق وغرب آسيا ووسطها، ومن هنا نستنتج أن تأمين طرق الحج والعمرة كانت أولى الخدمات التي قدمتها هذه الدولة إلى قاصدي الحرمين نظرا لأن الجزيرة العربية كانت تعيش آنذاك حالة من عدم الاستقرار وانعدام في الأمن.
وإلى جانب تلك الحالة المنتشرة في الجزيرة العربية، فقد ذكرت المصادر التاريخية السعودية والمؤرخون المستقلون أن الإمام محمد بن سعود كان يستلطف الخلوة والتأمل والتفكر، مما يدلل على حصافته ومقدرته على الاستقراء، وكان قد ورث إمارة الدرعية وهي في حالة استثنائية، نظرا لما كانت تعيشه آنذاك من ضعف وانقسام داخلي، في الوقت الذي كان يستشري فيه أيضا مرض الطاعون بين مجتمع الجزيرة العربية ومجتمع الدرعية، فما كان منه إلا أن بدأ أشغاله بتوحيد الدرعية أولا وتثبيت الاستقرار فيها، ثم انشغل بالعمل على التئام مجتمعه وتقويته من خلال توحيد أفراده، حتى تحول به من مجتمع منقسم إلى مجتمع حيوي، وكانت حالة الأمن التي نجح في إرسائها جاذبة لأوجه عديدة من الأنشطة المدنية، فصارت الدرعية في عهده مقصدا للدعوة الإصلاحية بغرض حمايتها والاستنصار لها، تماما مثلما أصبحت الدرعية أيضا مقصدا للتجار وطالبي العلم والمعرفة حتى تحولت إلى مركز جاذب للرجال ورؤوس الأموال والعقول المستنيرة، وهي بذلك استطاعت باقتدار أن تشكل اقتصادا مزدهرا بين مثيلاته من اقتصادات المنطقة آنذاك.
وتأتي أهمية ذكرى التأسيس لكونها تعيد إلى الأذهان السردية التاريخية الحقيقية بأصالتها وجذورها القديمة، التي أريد لها إما أن تذوب أو أن تغيب في تيارات وموجات قومية وأخرى دينية حتى يومنا هذا، فمن ينتسبون إلى طبقة النخب العربية من تلك التيارات، يرتكزون على سردية تتعمد فصل الحاضر السعودي عن ماضيه الأصيل؛ بغية الوصول إلى نتائج مزعومة يستطيعون من خلالها ادعاء هشاشة الأصالة والحضارة السعودية، وتحاول في الوقت نفسه أن تقفز ببعض الأنشطة التي نشأت في كنف الدولة الوطنية لتكون جوهرا للدولة ذاتها، مع تجاهل مدنية الدولة، لكن السعوديين يعون أن ما نشأ في كنف الدولة فهو تلقائيا يبقى في كنفها ولا يمكن أن يعتلي عليها؛ لذا فإن ذكرى التأسيس تتيح المجال أيضا أمام المطارحات العلمية في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة العربية برمتها، ويكفينا نحن السعوديين أن نضع يوم التأسيس هذا في مواجهة أيام الاستقلال والاتحاد التي تحتفل بها بلدان المنطقة، ليتضح الفارق الحقيقي في عمق الحضارة السعودية ومدنيتها عن غيرها، وللتأكيد كذلك على ذاتية نشوئها واستقلالها منذ فجرها الأول.
لقد كان جيل التأسيس، كما تقدم ذكره، جيلا متطلعا وطموحا، واستطاع منذ بداياتنا قبل ثلاثة قرون تكوين مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر بين نظرائه آنذاك، وهذه المرتكزات الثلاثة هي نفسها المحاور التي تحرك الاستراتيجية الوطنية اليوم المتمثلة في رؤية المملكة 2030، وقد تم ذلك أولا وراهنا من خلال الإعلاء من شأن الإنسان السعودي والإيمان به، فتوفرت له البيئة الآمنة والمستقرة التي أوجدت سبيلا سالكا للتعايش المدني في بيئة محيطة اتسمت بالشتات والنزاعات، كما حفزت على تطويع العلوم والمعارف للتقدم أكثر بالدولة السعودية. لذا، فإن يوم التأسيس يعني أن الدولة السعودية هي أعظم دولة مركزية في تاريخ الجزيرة العربية، بعد دولة الرسالة النبوية.
9oba_91@
وقد يكون من المهم لفت الانتباه إلى أن الدرعية التي أسس منها الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية قبل ثلاثة قرون، كانت قد تأسست قبله بحوالي ثلاثة قرون أخرى في عام 1446 على يد مانع المريدي، الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز، ويشي اختيار الدرعية كمنطلق لتأسيس الدولة وعاصمتها الأولى إلى أن ملاءمتها لاستراتيجية الدولة المركزية الموحدة كانت في أذهان جيل التأسيس المتطلع والطموح؛ إذ تتميز الدرعية بوقوعها على أهم أودية نجد على الإطلاق وهو وادي حنيفة، كما كانت تقع على إحدى أهم الطرق التجارية القديمة التي تنطلق من جنوب الجزيرة العربية وتصل إلى العراق شرقا والحجاز غربا ودومة الجندل شمالا، وهي نفسها طريق الحج للقادمين من العراق وغرب آسيا ووسطها، ومن هنا نستنتج أن تأمين طرق الحج والعمرة كانت أولى الخدمات التي قدمتها هذه الدولة إلى قاصدي الحرمين نظرا لأن الجزيرة العربية كانت تعيش آنذاك حالة من عدم الاستقرار وانعدام في الأمن.
وإلى جانب تلك الحالة المنتشرة في الجزيرة العربية، فقد ذكرت المصادر التاريخية السعودية والمؤرخون المستقلون أن الإمام محمد بن سعود كان يستلطف الخلوة والتأمل والتفكر، مما يدلل على حصافته ومقدرته على الاستقراء، وكان قد ورث إمارة الدرعية وهي في حالة استثنائية، نظرا لما كانت تعيشه آنذاك من ضعف وانقسام داخلي، في الوقت الذي كان يستشري فيه أيضا مرض الطاعون بين مجتمع الجزيرة العربية ومجتمع الدرعية، فما كان منه إلا أن بدأ أشغاله بتوحيد الدرعية أولا وتثبيت الاستقرار فيها، ثم انشغل بالعمل على التئام مجتمعه وتقويته من خلال توحيد أفراده، حتى تحول به من مجتمع منقسم إلى مجتمع حيوي، وكانت حالة الأمن التي نجح في إرسائها جاذبة لأوجه عديدة من الأنشطة المدنية، فصارت الدرعية في عهده مقصدا للدعوة الإصلاحية بغرض حمايتها والاستنصار لها، تماما مثلما أصبحت الدرعية أيضا مقصدا للتجار وطالبي العلم والمعرفة حتى تحولت إلى مركز جاذب للرجال ورؤوس الأموال والعقول المستنيرة، وهي بذلك استطاعت باقتدار أن تشكل اقتصادا مزدهرا بين مثيلاته من اقتصادات المنطقة آنذاك.
وتأتي أهمية ذكرى التأسيس لكونها تعيد إلى الأذهان السردية التاريخية الحقيقية بأصالتها وجذورها القديمة، التي أريد لها إما أن تذوب أو أن تغيب في تيارات وموجات قومية وأخرى دينية حتى يومنا هذا، فمن ينتسبون إلى طبقة النخب العربية من تلك التيارات، يرتكزون على سردية تتعمد فصل الحاضر السعودي عن ماضيه الأصيل؛ بغية الوصول إلى نتائج مزعومة يستطيعون من خلالها ادعاء هشاشة الأصالة والحضارة السعودية، وتحاول في الوقت نفسه أن تقفز ببعض الأنشطة التي نشأت في كنف الدولة الوطنية لتكون جوهرا للدولة ذاتها، مع تجاهل مدنية الدولة، لكن السعوديين يعون أن ما نشأ في كنف الدولة فهو تلقائيا يبقى في كنفها ولا يمكن أن يعتلي عليها؛ لذا فإن ذكرى التأسيس تتيح المجال أيضا أمام المطارحات العلمية في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة العربية برمتها، ويكفينا نحن السعوديين أن نضع يوم التأسيس هذا في مواجهة أيام الاستقلال والاتحاد التي تحتفل بها بلدان المنطقة، ليتضح الفارق الحقيقي في عمق الحضارة السعودية ومدنيتها عن غيرها، وللتأكيد كذلك على ذاتية نشوئها واستقلالها منذ فجرها الأول.
لقد كان جيل التأسيس، كما تقدم ذكره، جيلا متطلعا وطموحا، واستطاع منذ بداياتنا قبل ثلاثة قرون تكوين مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر بين نظرائه آنذاك، وهذه المرتكزات الثلاثة هي نفسها المحاور التي تحرك الاستراتيجية الوطنية اليوم المتمثلة في رؤية المملكة 2030، وقد تم ذلك أولا وراهنا من خلال الإعلاء من شأن الإنسان السعودي والإيمان به، فتوفرت له البيئة الآمنة والمستقرة التي أوجدت سبيلا سالكا للتعايش المدني في بيئة محيطة اتسمت بالشتات والنزاعات، كما حفزت على تطويع العلوم والمعارف للتقدم أكثر بالدولة السعودية. لذا، فإن يوم التأسيس يعني أن الدولة السعودية هي أعظم دولة مركزية في تاريخ الجزيرة العربية، بعد دولة الرسالة النبوية.
9oba_91@