الرأي

الالكترونيات والطفل العنيد

عبدالمعين عيد الأغا
لم تعد الحياة كما كانت عليها قبل ثورة التكنولوجيا والعولمة، إذ أصبح العالم الآن شبه قرية صغيرة، إذ ارتبط الجميع ببعضهم البعض بجهاز صغير يحمله الكل في أيديهم وهو ما يعرف بالجوال المحمول.

لذلك، لنا أن نتخيل حجم الأثر الكبير الذي تركته التقنيات الذكية والأجهزة الرقمية في حياتنا، والتي بدورها فرضت علينا مواكبة كل هذه التطورات المتلاحقة والمتسارعة.

ما دعاني إلى كتابة هذه المقدمة شكوى بعض الآباء والأمهات من عدم قدرتهم في التعامل مع أطفالهم الذين أصبحوا ـ للأسف ـ تحت رهن العناد وسيطرة تلك الأجهزة وما تحويها من ألعاب الكترونية وبرامج جنونية، جعلتهم يقضون جل أوقاتهم في مكان واحد ودون حراك، حتى باتت أوزانهم تزداد تدريجيا، فيما بدأ كثير منهم يشكو من ضعف النظر وجفاف العينين، وغيرهم من آلام الرقبة والصداع وآلام أسفل الظهر، وغير ذلك من الأعراض المرضية.

قد يرى البعض أن التعامل مع الأطفال اليافعين والمراهقين في هذا الجانب قد يكون صعبا؛ لأن الأمور أصبحت خارج السيطرة ولا يمكن احتواؤها الآن، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ؛ لأنه يمكن بكل اختصار تدارك هذا الأمر مع الأبناء بطريقة حازمة ودون تساهل، من أجل مصلحتهم الصحية، فصحتهم أهم من كل المشاكل المترتبة عن الاستخدام الطويل للأجهزة.

والواقع أن زيادة وطفرة إنتاج الألعاب الالكترونية في العالم، خصوصا في زمن بدء جائحة كورونا أدى إلى جلوس الأطفال أمام الأجهزة الالكترونية لساعات وفترات أطول تمتد بين (7 - 10) ساعات يوميا، وهو معدل خطير ولا يتفق مع التوجهات الطبية العالمية التي حددت «ساعتين» فقط للأطفال واليافعين في استخدام الأجهزة الالكترونية، فقضاء الأطفال الجزء الكبير من يومهم على الجوالات والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر الشخصي في ممارسة الألعاب الالكترونية يؤثر على تحصيلهم العلمي، إلى جانب الأضرار الصحية المترتبة على ذلك، إذ إن أكثر الحالات للأسف تفتقد التوجيه، فالآباء يتركون الأبناء على هذه الأجهزة دون نصحهم ومتابعتهم، مما يترتب على ذلك كثير من الأضرار، منها الاعتزال عن المجتمع، والسمنة المفرطة أو فقدان الشهية التام، والتحريض على التدخين والعنف الجسدي والعنف اللفظي، وانخفاض مستويات الذكاء الاجتماعي، وازدياد حالات فرط الحركة وقلة التركيز، وانخفاض مستويات الدراسة والتحصيل العلمي.

وتنص توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 شهرا، يجب تجنب استخدام الأجهزة الالكترونية الذكية عنهم، وبالنسبة للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 2 و5 سنوات، يمكن استخدام الشاشة لمدة ساعة يوميا من برامج ذات جودة عالية، مع ضرورة اشتراك الآباء في مشاهدة نوعية البرامج التي يشاهدها أطفالهم، بينما الأطفال الذين تراوح أعمارهم من 6 إلى 12 سنة، فيجب وضع حدود للوقت الذي يقضيه الطفل في هذه السن في استخدام الأجهزة الذكية، وأنواعها، على أن تكون هذه المدة ساعتين فقط في اليوم، والتأكد من أنها لا تحل محل الحصول على حساب أوقات النوم، وممارسة الرياضة، وغيرها من السلوكيات الأساسية للصحة. أما المراهقون الذين تراوح أعمارهم من 13 سنة إلى 18 سنة، فإن المدة التي أوصت بها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، هي ساعتان يوميا، والهدف من هذه التوصيات تحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والحقيقية منذ الولادة وحتى مرحلة البلوغ.

وأخيرا.. خير ما ينصح به لمواجهة مشكلة الطفل العنيد مع الأجهزة هو الحزم وعدم التساهل، خلال تحديد ساعتين يوميا له مع الأجهزة والالتزام به حتى لا تتأثر الأمور الأخرى المرتبطة بحياته، والتي أهمها التحصيل العلمي، ويمكن تقسيم الساعتين على فترتين -مثلا- ساعة في النهار ومثلها بالليل، وهناك قاعدة ذهبية تقول: «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، فصحتنا هي تاج رؤوسنا وأمانة في أعناقنا، والأطفال بحكم صغر سنهم قد لا يهتمون بذلك كثيرا؛ لذا يجب أن تكون الأسرة حازمة مع أبنائها في الأمور الصحية.