نذر أصفهان
السبت / 13 / رجب / 1444 هـ - 20:15 - السبت 4 فبراير 2023 20:15
كان النظام الإيراني للتو قد انتهى من مراسم حشد أتباعه في الذكرى السنوية الثالثة لمقتل جنرال الإرهاب قاسم سليماني، على يد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وكانت التعبئة قد شحنت بدعوات الثأر والرد الانتقامي لتلك العملية، في محاولة للملمة صفوف المحتجين وجرهم إلى لواء التأييد والطاعة؛ إلا أن مصانع عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان، تفرقعت فجأة بفعل ثلاث طائرات مسيرة بتاريخ 27 يناير، قيل إنها انطلقت من الداخل الإيراني لكون هذا النوع من الطائرات عادة ما يحلق لنحو 30 كلم فقط، وانشغل العالم بعدها في السؤال عن اليد الخفية التي أطلقت تلك الطائرات، دون الوصول إلى دليل مادي واحد يلبي رغبة السؤال، وما كان من إيران إلا أن وجدت في هذه الحادثة متسعا يخارجها من الضغط الداخلي، والضغوطات الخارجية الصلبة والمتزايدة خلال اعتمادها على سياستها القديمة في خلط الأوراق.
وإذا ما أردنا ترجيح هوية الفاعل في هذه الحادثة علينا البحث عن الدلالات التي يوحي بها الهجوم في ظل الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة. فإيران تتعرض لضغوطات غربية خشنة ليس لأنها أعدمت عشرات المحتجين فقط؛ بل على اعتبارها منخرطة في الحرب الروسية الأوكرانية خلال تزويدها روسيا بطائرات «شاهد 136» المسيرة التي عززت من قدرات روسيا على مواصلة عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وكان لها دور بارز في تحقيق الاستراتيجية الروسية القائمة على استهداف البنية التحتية لأوكرانيا، وهو ما دفع المسؤولين الأوكرانيين إلى تصعيد نبرتهم تجاه إيران منذ أشهر، وهو أيضا الدافع الأبرز لبحث الدول الأوروبية تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.
وقد تفاعلت أطراف الحرب بالفعل في هذه الحادثة، إذ ذكر المستشار الأوكراني ميخايلو بودولياك أن أوكرانيا حذرت الإيرانيين من أن منطق الحرب يجعل المتواطئين يدفعون الثمن، كما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن أجهزة الأمن الروسية تحلل المعلومات للحصول على صورة لما حدث في أصفهان، وإذا ما كانت أوكرانيا ضالعة في تلك الحادثة فهذا ينذر بأن إيران سيكون لها دور أكثر فاعلية ووضوحا في الحرب الروسية الأوكرانية، مثل تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية والمرتزقة من الميليشيات المؤتمرين بإمرة إيران في سوريا.
أما أكثر الروايات شيوعا في الأوساط الغربية، فهي التي تتهم حكومة نتنياهو بتنفيذ العملية انطلاقا من تاريخ خدمته في المنصب نفسه المنتهي في2021، أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، إذ كان يجيز آنذاك سلسلة من العمليات التي كانت تخترق المشروع النووي الإيراني خلال أدوات الموساد المتمثلة في الهجمات السيبرانية، وتصفية كوادر رئيسة في المشروع مثل العالم النووي فخري زاده، وبهذا يكون الهجوم على أصفهان هو أولى عمليات حكومة نتنياهو الجديدة التي جاءت على واقع مختلف من حيث ترتيب الأولويات الغربية، لكنها التقت معها ضد إيران في هذا التوقيت، وهذا الافتراض يقوم على أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، على علم مسبق بالعملية الإسرائيلية قبل تنفيذها. وإن كان هذا الافتراض دقيقا فهو ينذر بأن الخيار العسكري بات مطروحا على طاولة الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع المعضلة الإيرانية المتنامية، خاصة أن الطرفين كانا قد أجريا مناورة «جونيبر أوك 2023» العسكرية الشاملة في الفترة من 23-27 يناير، استهدفت محاكاة هجوم مشترك ضد مواقع نووية إيرانية، والتصدي لهجوم بحري إيراني كرد فعل على أي تحرك أمريكي إسرائيلي مشترك ضد أي تحرك إيراني محتمل.
وقد وجدت إيران من كل هذه الأوضاع المشتبكة فرصة سانحة لخلط الأوراق أكثر، وهي اللعبة التي تجيدها السياسة الخارجية الإيرانية جيدا لتنفك من أزماتها، فذهبت إلى الأمم المتحدة لتتهم إسرائيل علانية لكن بعد أن سربت معلومات خلال موقع «نور نيوز» المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن المعدات المستخدمة في الهجوم دخلت إيران بأمر من جهاز أمني أجنبي، تلمح إلى أنه جهاز الموساد الإسرائيلي، وبمشاركة وتوجيهات مجموعات كردية مقرها إقليم كردستان العراق، وهو الادعاء نفسه الذي قدمته وزارة المخابرات الإيرانية عام 2022، ونفاه حزب «كومله» في كردستان إيران.
لذا، يبدو أن ما ترسمه إيران سيكون بعيدا عن أوكرانيا وإسرائيل والدول الغربية، وسينصب تركيزها على أن تضرب المحجتين في الداخل بتهم الخيانة والعمالة للأكراد، الذين تصنفهم على أنهم وكلاء طبيعيون للموساد، وبذلك تكون قد عززت من روايتها تجاه الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها التاسع عشر، وهذا خيار ينذر بأن عمليات القمع ستزداد إلى جانب صب النظام الإيراني جام غضبه على إقليم كردستان العراق.
وأيا كانت هوية الفاعل في استهداف وزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان؛ إلا أن جميع الاحتمالات تؤشر إلى ناحية التصعيد والعنف، وسيكون من المتوقع أن تتوتر العلاقات بين أوكرانيا وإيران لتصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وأن تستمر إسرائيل في سياسة «العمليات ما بين الحروب» المؤثرة ضد إيران، إضافة إلى استمرار حدة الصراع بين الإسرائيليين ومسلحي حماس خلال الفترة المقبلة، ما يعني أن النظام الإيراني نفسه سيشتري بقاءه مقابل تضحيته بكثير من الخسائر المادية في الداخل والخارج.
9oba_91@
وإذا ما أردنا ترجيح هوية الفاعل في هذه الحادثة علينا البحث عن الدلالات التي يوحي بها الهجوم في ظل الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة. فإيران تتعرض لضغوطات غربية خشنة ليس لأنها أعدمت عشرات المحتجين فقط؛ بل على اعتبارها منخرطة في الحرب الروسية الأوكرانية خلال تزويدها روسيا بطائرات «شاهد 136» المسيرة التي عززت من قدرات روسيا على مواصلة عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وكان لها دور بارز في تحقيق الاستراتيجية الروسية القائمة على استهداف البنية التحتية لأوكرانيا، وهو ما دفع المسؤولين الأوكرانيين إلى تصعيد نبرتهم تجاه إيران منذ أشهر، وهو أيضا الدافع الأبرز لبحث الدول الأوروبية تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.
وقد تفاعلت أطراف الحرب بالفعل في هذه الحادثة، إذ ذكر المستشار الأوكراني ميخايلو بودولياك أن أوكرانيا حذرت الإيرانيين من أن منطق الحرب يجعل المتواطئين يدفعون الثمن، كما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن أجهزة الأمن الروسية تحلل المعلومات للحصول على صورة لما حدث في أصفهان، وإذا ما كانت أوكرانيا ضالعة في تلك الحادثة فهذا ينذر بأن إيران سيكون لها دور أكثر فاعلية ووضوحا في الحرب الروسية الأوكرانية، مثل تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية والمرتزقة من الميليشيات المؤتمرين بإمرة إيران في سوريا.
أما أكثر الروايات شيوعا في الأوساط الغربية، فهي التي تتهم حكومة نتنياهو بتنفيذ العملية انطلاقا من تاريخ خدمته في المنصب نفسه المنتهي في2021، أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، إذ كان يجيز آنذاك سلسلة من العمليات التي كانت تخترق المشروع النووي الإيراني خلال أدوات الموساد المتمثلة في الهجمات السيبرانية، وتصفية كوادر رئيسة في المشروع مثل العالم النووي فخري زاده، وبهذا يكون الهجوم على أصفهان هو أولى عمليات حكومة نتنياهو الجديدة التي جاءت على واقع مختلف من حيث ترتيب الأولويات الغربية، لكنها التقت معها ضد إيران في هذا التوقيت، وهذا الافتراض يقوم على أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، على علم مسبق بالعملية الإسرائيلية قبل تنفيذها. وإن كان هذا الافتراض دقيقا فهو ينذر بأن الخيار العسكري بات مطروحا على طاولة الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع المعضلة الإيرانية المتنامية، خاصة أن الطرفين كانا قد أجريا مناورة «جونيبر أوك 2023» العسكرية الشاملة في الفترة من 23-27 يناير، استهدفت محاكاة هجوم مشترك ضد مواقع نووية إيرانية، والتصدي لهجوم بحري إيراني كرد فعل على أي تحرك أمريكي إسرائيلي مشترك ضد أي تحرك إيراني محتمل.
وقد وجدت إيران من كل هذه الأوضاع المشتبكة فرصة سانحة لخلط الأوراق أكثر، وهي اللعبة التي تجيدها السياسة الخارجية الإيرانية جيدا لتنفك من أزماتها، فذهبت إلى الأمم المتحدة لتتهم إسرائيل علانية لكن بعد أن سربت معلومات خلال موقع «نور نيوز» المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن المعدات المستخدمة في الهجوم دخلت إيران بأمر من جهاز أمني أجنبي، تلمح إلى أنه جهاز الموساد الإسرائيلي، وبمشاركة وتوجيهات مجموعات كردية مقرها إقليم كردستان العراق، وهو الادعاء نفسه الذي قدمته وزارة المخابرات الإيرانية عام 2022، ونفاه حزب «كومله» في كردستان إيران.
لذا، يبدو أن ما ترسمه إيران سيكون بعيدا عن أوكرانيا وإسرائيل والدول الغربية، وسينصب تركيزها على أن تضرب المحجتين في الداخل بتهم الخيانة والعمالة للأكراد، الذين تصنفهم على أنهم وكلاء طبيعيون للموساد، وبذلك تكون قد عززت من روايتها تجاه الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها التاسع عشر، وهذا خيار ينذر بأن عمليات القمع ستزداد إلى جانب صب النظام الإيراني جام غضبه على إقليم كردستان العراق.
وأيا كانت هوية الفاعل في استهداف وزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان؛ إلا أن جميع الاحتمالات تؤشر إلى ناحية التصعيد والعنف، وسيكون من المتوقع أن تتوتر العلاقات بين أوكرانيا وإيران لتصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وأن تستمر إسرائيل في سياسة «العمليات ما بين الحروب» المؤثرة ضد إيران، إضافة إلى استمرار حدة الصراع بين الإسرائيليين ومسلحي حماس خلال الفترة المقبلة، ما يعني أن النظام الإيراني نفسه سيشتري بقاءه مقابل تضحيته بكثير من الخسائر المادية في الداخل والخارج.
9oba_91@