الرأي

2023 نافذة على المستقبل

حسن علي القحطاني
لعقود ماضية ظلت الصورة السائدة عن دول الخليج العربي، خصوصا المملكة العربية السعودية، بأنها دولة (مستهلكة ذات ثروة مالية مرتفعة)، تبيع من مواردها الطبيعية كالنفط وبعض المنتجات التي تعتمد عليه لتشتري كل ما تحتاجه من الدول الصناعية. هذا التصنيف غير الرسمي لنا صنف أيضا بعض الدول في خانة الدول المتخلفة اجتماعيا واقتصاديا وتقنيا، وهذا ليس بأشد من تصنيف الدول (التابعة) التي تكون سيادتها تحت وصاية دول (مهيمنة) أي ذات نفوذ، ليس شرطا أن يكون نفوذا عسكريا بل قد يكون اقتصاديا أو ثقافيا أو استخباراتيا، ومنها ما صنف كدول (نفعية) تحقق مصالحها خلال توظيفها كل إمكاناتها لخدمة مصالح دولة أو دول أخرى؛ وربما لخدمة محور أو حلف في منطقتها طمعا في الوصول إلى دور مؤثر، مثل تركيا والدور الذي لعبته فيما يسمى بالربيع العربي، أو إيران خلال تصدير الفكر الثوري الكهنوتي للدول العربية، وكلاهما انهارت مخططاتهم أو حجمت، لأن مرتكزات نجاحها كانت هشة وتعتمد على دعم مستورد من الخارج، ولعلنا نشاهد ما يعانيه الأتراك والإيرانيون من ويلات التضخم الاقتصادي والقمع الاجتماعي والاضطهاد بالسجن أو الإعدامات القصرية.

ولا أريد التوسع في هذه النقطة، لأن هناك ما هو أهم منها بالنسبة لي ولكم، وهي أن السعودية في 2023 وما سيليه، تستعد لميلاد تصنيف رسمي جديد لها؛ فمن دولة غنية إلى دولة تصنف بالمتقدمة، وستكون محط أنظار العالم في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية والرياضية، لأسباب أهمها استمرار تحقيق التقدم في مستهدفات رؤية 2030 والانتهاء من المراحل الأولى لعدد من المشاريع الصناعية والاستراتيجية، التي تحقق متطلبات التنمية المالية المستدامة كمنهج متكامل يأخذ في عين الاعتبار الظروف البيئية، مع التركيز على التطور الاقتصادي القائم على الإنتاج لا على الحكومات والأشخاص.

اقتصاد صناعي تقوده الطبقات الاستثمارية والمهنية المتخصصة والعمالية، وتذوب فيه الطبقات والإقطاعيات الأرستقراطية والفروقات العرقية، إضافة إلى تنامي القوة الناعمة السعودية مع تحقيق الاقتصاد السعودي أعلى معدل نمو في دول (G20)، واستقطاب كثير من الأحداث الرياضية والرياضيين، واستضافة العديد من الأحداث والمناسبات والمؤتمرات ورعاية الاتفاقيات،

ومن أهم الأسباب في وجهة نظري التي ستصنف السعودية كدولة متقدمة، هي التحولات الجيوسياسية المتعلقة بالأزمات العالمية، وبروز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كقائد أثبت نجاحه في إدارة الأزمات واقتناصه الفرص، وتوظيفه كل الإمكانات بشكل صحيح، فبروز دوره كصانع سلام دولي وإقليمي؛ وكوسيط صاحب مصداقية وثقة غير قابلة للتشكيك جعله أيقونة تدفع عجلة التقدم والرقي في دول منطقة الشرق الأوسط.

أخيرا.. إن اجتماع هذه الأسباب في مرحلة زمنية واحدة لم يحصل في تاريخ الدولة السعودية الحديثة أبدا؛ مما جعل الوكالات الدولية والمراكز الاستشارية تتحدث في تقارير عن بروز السعودية كوجهة عالمية جديدة للهجرة الاستثمارية والابتكارية والمهنية؛ وستكون السعودية وصناع القرار فيها على موعد مع إدارة معارك استقطاب الأصدقاء مستقبلا، والتي لا تقل شراسة عن إدارة المعارك مع الأعداء سابقا؛ والنجاح فيها بإذن الله يعني حتمية تحول السعودية إلى دولة هيمنة ونفوذ، تطبق استراتيجيات التعامل والإدارة والردع، لحفظ مصالحها ومصالح حلفائها وتنمية قدراتهم.

hq22222@