المثقفون والبطالة المقنّعة
الاحد / 8 / جمادى الآخرة / 1444 هـ - 20:32 - الاحد 1 يناير 2023 20:32
لا يختلف اثنان أن وسطنا الثقافي بأعلامه وعلاماته بات يعيش منكفئا على نفسه، فالمثقفون معزولون عن المجتمع، وكثير منهم يعيش بطالة ثقافية مقنّعة حتى ولو كان حاضرا في الساحة من خلال منتج تعبيري محدد، فالكتابة الصحفية - مثلا - كونها الشكل التعبيري الأكثر حضورا؛ باتت عند المتلقي لا تتواءم مع العصر وما يتطلبه من اختصار واختزال وسرعة، وقس على ذلك بقية الأشكال التعبيرية التقليدية الأخرى، إلا إذا استثنينا الرواية كونها تعيش حالة غير مسبوقة من الحضور والأثر والتأثير.
كان الإعلام التقليدي منبرا وحاضنة للوسط الثقافي برموزه ودهمائه، وهو ما جعل له اليد الطولى في تشكيل وعي الناس والتأثير عليهم، فمثلا كانت مقالات الرأي تُقرأ على نطاق واسع، وكانت تعد نافذة مهمة يطل من خلالها المثقفون على المجتمع وإنسانه.
اليوم وسطنا الثقافي بات حضوره وتأثيره (أرشيفيا) بمعنى أن قضاياه القديمة ما عادت تستفز المجتمع، ربما يكمن السبب في بعض القرارات السيادية التي سحبت البساط من تحت رموز هذا الوسط إن لم تعرِّهم ليصبحوا بلا قضايا تذكر!.
صعب جدا أن يعيش المثقف بلا قضية، والأصعب أن القضايا التي كانت تُطرح عندما حضرت، هي من عجلت برحيله إلى غياهب النسيان، خذ على سبيل المثال لا الحصر: كان المثقفون ينادون بقيادة المرأة للسيارة، وكانوا يستظلون بقضاياها المختلفة وشؤونها وشجونها، واليوم تخطى حضور المرأة أصوات من كان ينادي بحضورها، وأصبحت حاضرة بنفسها، تطلب وتطالب وتسأل وتجيب.
إذن قضايا المرأة كانت العصا التي كان يهش بها بعض هؤلاء على العامة، وعندما انكسرت العصا أو انقلبت، انزوى هؤلاء في أركان قصية في انتظار قضايا جديدة علها تعيدهم إلى السطح من جديد.
المثقف في هذا الكون الفسيح مهما كانت قدراته يظل نتاج الأفكار والقضايا، والمثقف بلا فكرة مثل السلاح بلا ذخيرة، والمثقف العربي تحديدا منذ مراحل تشكيله الأولى، كان ينزوي عن الناس بحجة سطحيتهم وعدم استطاعتهم فهم وتفهم أفكاره التنويرية، واليوم سطا البسطاء على الوعي العام، وأصبحوا يشكلونه حركة وحراكا، وإذا آمنا بهذه الحركة ونقلاتها السريعة، فإن الحراك ليس في مستوى ديناميكية تلك الحركات كونه عاد بالمجتمع إلى مستويات بدائية ثقافيا ومعرفيا.
ما الحل إذن؟
الحل يكمن في صحوة ثقافية جديدة، لوجوه جديدة وقديرة، تؤمن بالفكر والثقافة كعاملين محفزين للمجتمع لزيادة مستوى وعي أفراده، بعيدا عن حالات التكسب الممجوجة التي سادت في فترات ماضية، والتكسب لا ينحصر في البعد المادي فقط، ولكن الحضور الفج في مراحل سابقة كان يُكتسب مِن خلال سياسات التكسب التي مارسها البعض ليبقى في المشهد حاضرا كشبه مثقف لا يسمن ولا يغني من جوع.
والآن وبعد أن انزاح الغبار وأصبح المشهد أسيرا لثلة جديدة مِن المشاهير وجب على المثقفين الحقيقيين القيام بصحوة ثقافية حقيقية، تعيد الأمور إلى نصابها من خلال إيمان عميق بضحالة ما يسود وما ينبغي أن يفعل لإزاحته مِن المشهد، فالمثقف سابقا كان يستهويه لقب التنويري، واليوم بات المشهد الحياتي في ظل سطوة السفهاء بات يقتضي حالة مِن التنوير المعرفي، تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال نصب وعي ثقافي أصيل يتمحور الجميع حوله اتفاقا واختلافا، اجتماعا وليس فرقة، المهم أن يعود المثقف الحقيقي ليمارس أدواره المعهودة تحت عناوين معرفية حقيقية، تجمع ولا تفرق وتضيف ولا تضيق، لننعم بمشهد حياتي قويم، يعود فيه ومن خلاله المثقف لأداء أدواره الحقيقية والفاعلة بعيدا عما كان وما هو كائن.
alaseery2@
كان الإعلام التقليدي منبرا وحاضنة للوسط الثقافي برموزه ودهمائه، وهو ما جعل له اليد الطولى في تشكيل وعي الناس والتأثير عليهم، فمثلا كانت مقالات الرأي تُقرأ على نطاق واسع، وكانت تعد نافذة مهمة يطل من خلالها المثقفون على المجتمع وإنسانه.
اليوم وسطنا الثقافي بات حضوره وتأثيره (أرشيفيا) بمعنى أن قضاياه القديمة ما عادت تستفز المجتمع، ربما يكمن السبب في بعض القرارات السيادية التي سحبت البساط من تحت رموز هذا الوسط إن لم تعرِّهم ليصبحوا بلا قضايا تذكر!.
صعب جدا أن يعيش المثقف بلا قضية، والأصعب أن القضايا التي كانت تُطرح عندما حضرت، هي من عجلت برحيله إلى غياهب النسيان، خذ على سبيل المثال لا الحصر: كان المثقفون ينادون بقيادة المرأة للسيارة، وكانوا يستظلون بقضاياها المختلفة وشؤونها وشجونها، واليوم تخطى حضور المرأة أصوات من كان ينادي بحضورها، وأصبحت حاضرة بنفسها، تطلب وتطالب وتسأل وتجيب.
إذن قضايا المرأة كانت العصا التي كان يهش بها بعض هؤلاء على العامة، وعندما انكسرت العصا أو انقلبت، انزوى هؤلاء في أركان قصية في انتظار قضايا جديدة علها تعيدهم إلى السطح من جديد.
المثقف في هذا الكون الفسيح مهما كانت قدراته يظل نتاج الأفكار والقضايا، والمثقف بلا فكرة مثل السلاح بلا ذخيرة، والمثقف العربي تحديدا منذ مراحل تشكيله الأولى، كان ينزوي عن الناس بحجة سطحيتهم وعدم استطاعتهم فهم وتفهم أفكاره التنويرية، واليوم سطا البسطاء على الوعي العام، وأصبحوا يشكلونه حركة وحراكا، وإذا آمنا بهذه الحركة ونقلاتها السريعة، فإن الحراك ليس في مستوى ديناميكية تلك الحركات كونه عاد بالمجتمع إلى مستويات بدائية ثقافيا ومعرفيا.
ما الحل إذن؟
الحل يكمن في صحوة ثقافية جديدة، لوجوه جديدة وقديرة، تؤمن بالفكر والثقافة كعاملين محفزين للمجتمع لزيادة مستوى وعي أفراده، بعيدا عن حالات التكسب الممجوجة التي سادت في فترات ماضية، والتكسب لا ينحصر في البعد المادي فقط، ولكن الحضور الفج في مراحل سابقة كان يُكتسب مِن خلال سياسات التكسب التي مارسها البعض ليبقى في المشهد حاضرا كشبه مثقف لا يسمن ولا يغني من جوع.
والآن وبعد أن انزاح الغبار وأصبح المشهد أسيرا لثلة جديدة مِن المشاهير وجب على المثقفين الحقيقيين القيام بصحوة ثقافية حقيقية، تعيد الأمور إلى نصابها من خلال إيمان عميق بضحالة ما يسود وما ينبغي أن يفعل لإزاحته مِن المشهد، فالمثقف سابقا كان يستهويه لقب التنويري، واليوم بات المشهد الحياتي في ظل سطوة السفهاء بات يقتضي حالة مِن التنوير المعرفي، تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال نصب وعي ثقافي أصيل يتمحور الجميع حوله اتفاقا واختلافا، اجتماعا وليس فرقة، المهم أن يعود المثقف الحقيقي ليمارس أدواره المعهودة تحت عناوين معرفية حقيقية، تجمع ولا تفرق وتضيف ولا تضيق، لننعم بمشهد حياتي قويم، يعود فيه ومن خلاله المثقف لأداء أدواره الحقيقية والفاعلة بعيدا عما كان وما هو كائن.
alaseery2@