الرأي

النظام الدولي الجديد

عبدالكريم محمد العمري
مع الحرب في أوروبا، والتنافس الاقتصادي والتوترات السياسية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ظهر من يتحدث عن نظام دولي جديد تحمله كل من روسيا والصين...

لنبدأ بقصة قصيرة نعود بها للتاريخ القريب، تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة «النظام الدولي الجديد» في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى من قبل الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون معبرا فيه عن رؤيته للسلام العالمي، حيث شكل المنتصرون بعد التوقيع على معاهدة فرساي منظمة عصبة الأمم، وكان المجتمع الدولي يتشكل من قوى متعددة الأقطاب، ولكن سرعان ما تم تهميش هذه المنظمة، عندما نشبت الحرب العالمية الثانية والتي خسرت فيها اليابان أحد الأعضاء الدائمين في مجلس العصبة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية تم توقيع معاهدة سان فرانسيسكو أو ما يعرف بمعاهدة السلام مع اليابان والتي كانت بين 49 دولة من جهة واليابان من جهة أخرى، وتضمنت في أحد بنودها إنهاء قوة اليابان العسكرية، تم كذلك في نفس المؤتمر توقيع ميثاق منظمة الأمم المتحدة وكانت المملكة العربية السعودية من الأعضاء الأصليين كما يطلق عليهم، الموقعين على هذا الميثاق، وتجنب السياسيون في ذلك الوقت استخدام مصطلح النظام الدولي الجديد تجنبا للأخطاء التي وقعوا فيها في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

دخل العالم بعد ذلك في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وقيام ما يسمى بالثنائية القطبية وهي مرحلة التنافس والاستقطاب بين أقوى المنتصرين في الحرب، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، حقبة صراع أيديولوجي وعسكري واقتصادي دام لعقود، ومع قرب انهيار الاتحاد السوفيتي ظهر استخدام المصطلح بكل وضوح وتجل بدءا من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب آنذاك حيث وجه خطابا للأمة الأمريكية في أغسطس 1990 تحدث فيه عن فكرة «عصر جديد»، و«حقبة للحرية»، و«زمن للسلام لكل الشعوب».

العام 1991 في تاريخ 26 ديسمبر شهد العالم أجمع تفكك الاتحاد السوفيتي، وبزوغ النجم الساطع لحالة القطب الأوحد الذي تتربع فيه الولايات المتحدة الأمريكية على قمة النظام الدولي، وفي السنين التي تلت توسع حلف الناتو شرقا تجاه روسيا، وتزايد وجود القوات الأمريكية وقواعدها عبر البحار، وأنشئت منظمة التجارة العالمية التي تضم جل دول العالم تقريبا، ودخل العالم في مرحلة من الاعتماد المتبادل وتداخل شديد في المصالح، فأكبر تبادل اقتصادي بين دولتين في العالم هو بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجعل الصدام بينهما بعيد المنال، إضافة إلى الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ ، وكذلك تحالفاتها مع دول المنطقة هناك.

وأما بالنسبة للجانب الروسي فإنه لا يمكن تغطية فشل ما يسمى بـ»العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقتها روسيا تجاه أوكرانيا، فهي لم تحقق الأهداف المرجوة كما يبدو ويعود الفضل بذلك للدعم الهائل والكبير المقدم من حلف الناتو، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا، ثم بعد ذلك بدأت دول أوروبية أخرى بطلب الانضمام لحلف الناتو، حيث إنهم قد وجدوا أنفسهم تحت التهديد ووجدوا في الولايات المتحدة ملجأ لهم.

ختاما هرطقات بعض وسائل الإعلام وغيرهم التي لا تنفك تتحدث عن بوادر تكون نظاما دوليا جديدا لا أرى لها معطيات أو مؤشرات قوية ملحوظة على أرض الواقع، «والواقع» يجب أن يكون دائما مؤشرنا ومحور تحليلنا.

Abdulkarim_m_al@