الرأي

سيولتكم في خطر وأموالكم مهددة!

حنان درويش عابد
يكدس ملايين الناس حول العالم أموالا طائلة في البنوك بالتريليونات وليس بالمليارات، يكدسونها دون تشغيل، إما خوفا من المخاطرة بالاستثمار وفقدان جزء من ثرواتهم أو كل الثروة، وإما لعدم معرفتهم بطرق الاستثمار من الأساس رغم حبهم لتشغيل تلك الأموال، ولذا فإن مئات البنوك حول العالم تتكدس فيها تلك المبالغ الكبيرة.

ولكن ومع التغيرات التي تحدث اليوم في عالم السياسة حول العالم، ومع تنامي الأزمات الاقتصادية العالمية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية فإن الاستثمار يأخذ اليوم صفة الانحدار والتراجع، على الرغم من أن التاريخ قديمة وحديثه قد شهد استثمارات كبرى لم يتم تفعيلها من قبل مستثمرين إلا في أوقات الحروب والأزمات من باب اقتناص الفرص.

فهل السيولة في البنوك حقا مهددة وفي خطر حقيقي؟ ربما من الصعب وضع إجابة قاطعة وجازمة على هذا السؤال حتى من قبل خبراء المال والاقتصاد؛ لأننا لا يمكننا أن نتنبأ بالأحداث السياسية حول العالم، ولكن في حال تطورت الصراعات العالمية حتى لو كانت بعيدة عن منطقتنا فإن تشابك الاقتصاد العالمي اليوم وعولمة الاقتصاد تجعل تأثر الدول البعيدة عن الصراعات تأثرا حقيقيا لا يمكن لأحد إنكاره، وهذا بالضرورة سيعود على حجم الاستثمارات حتى المحلية في كل دولة، ولكن علينا أن نتذكر أن أغلب المستثمرين في العصر الحالي تقريبا يميلون إلى الاستثمار المعولم، وهذا يعني أن الرغبة في تشغيل الأموال في حد ذاتها وفق منهجيات الأعمال منذ بداية هذه الألفية قد انصرفت إلى فكر ومنهج الاستثمار الداخلي مضافا إليه الاستثمار عبر الحدود.

إن الأموال المتراكمة في البنوك دون تشغيل من المؤمّل أن يراجع أصحابها موقفهم من الاستثمارات المحلية لأن الاستثمار المحلي اليوم وخاصة في قطاعات التنمية المستدامة باتت ضرورة أخلاقية ودينية لأن الأزمات العالمية قد تؤثر على الغذاء والماء وعلى الخدمات الأساسية في حياة الإنسان، ولكل هذا فإن التعجيل بالاستثمار محليّا في قطاعات حيوية لحماية مجتمعنا من أية هزات عالمية قد تؤثر على ضرورات العيش الأساسية هو أمر مندوب ويجب أخذه بعين الاعتبار وبجديّة كاملة وحقيقية من قبل أصحاب الأموال.

إن الأموال الراكدة في البنوك هي في خطر دائما، فتآكلها عبر السنين مؤكد حتى لو استبعدنا سيناريوهات التأثيرات العالمية، ولكن ومع كل ما نعرفه اليوم من قضايا عالمية لا تخفى على أحد، فإن هذا الخطر على تلك الأموال هو خطر حقيقي، ففي حال لم يتم المبادرة باستثمار تلك الأموال اليوم ودون تأجيل، فإن بقاءها في البنوك قد يذهب بها وإلى الأبد، في مقابل السيناريو الأفضل لتلك الأموال وهو أن تتحول إلى مشاريع وحينها لا يمكن لها أن تواجه مصير التبخُّر، فهل يمكن لكل هذه المعطيات الخطيرة في عالم اليوم والتي لا يختلف عليها اثنان أن تُسهِم بالفعل في إنقاذ تلك التريليونات وإنقاذ عائلات ثرية جدا من تهديد فقر مُحتّم لم يجربوه وسيكون كابوسا صعبا لهم؟