العالم

المصالح تدفع قادة أوروبا للهرولة نحو الصين

بروكر: ماكرون سيلحق بالمستشار الألماني إلى بكين بعدما استوعب الجميع الدرس

أولاف شولتس
كان العام الحالي فرصة لكي تعيد أوروبا النظر في رؤيتها للصين كشريك تجاري، ودولة تلتزم بقواعد النظام الدولي، بعد انحيازها إلى جانب روسيا في غزوها لأوكرانيا، لكن يبدو أن هذه النظرة الجديدة ستتلاشى مع الدخول للعام الجديد، حيث يبدي قادة القارة التي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، رغبتهم في إعادة الدفء للعلاقات مع أكبر دولة تجارية في العالم وكأن شيئا لم يكن، بحسب الكاتب الأمريكي ماثيو بروكر.

وقال بروكر في تحليل نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء إن التوجه الأوروبي الجديد سيكون خطأ، لأن التمنيات المجردة لا تصلح أساسا لعلاقة جيدة.

ويعيد المحلل الأمريكي التذكير بتطورات الموقف الصيني خلال العام الحالي، فيقول إن الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير الماضي جاء بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان الزعيم الصيني شي جين بينج قيام شراكة «بلا حدود» مع روسيا تصل إلى مستوى بلورة مخطط لإعادة صياغة النظام العالمي.

رواية روسيا

بعد الغزو أعلنت بكين حيادها في هذا النزاع مع تأكيد احترامها لسيادة ووحدة أراضي الدول، لكنها في الوقت نفسه رفضت انتقاد الغزو الروسي.

وألقى المسؤولون الصينيون مسؤولية نشوب النزاع الروسي الأوكراني على الولايات المتحدة، في حين تبنت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الرواية الروسية، في حين تجاهلت معاناة الأوكرانيين، وهو ما يكشف حقيقة التعاطف الصيني مع روسيا.

وفي الوقت نفسه لا يخفي الحزب الشيوعي الحاكم في الصين عداءه للقيم الليبرالية التي تدعم النظام العالمي الحالي بقيادة الولايات المتحدة، رغم أنه يبدي قدرا متزايدا من الانفتاح والثقة تحت قيادة شي.

لذلك على أوروبا التي تشهد أكبر صراع عسكري على أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية، إدراك أن الدعم الفعلي الصيني للعدوان الروسي على أوكرانيا دليل قوي على صراع القيم بين الغرب والصين.

تحول أوروبي

وربما يكون التعبير الأدق عن التحول في الوعي الأوروبي هو ما قاله نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، في خطاب ألقاه بعد قمة الاتحاد الأوروبي والصين في أبريل، عن «حوار الطرشان» بين الصين والاتحاد الأوروبي. وتابع وزير الخارجية الإسباني السابق البالغ من العمر 75 عاما تصريحاته قائلا إن «الصين أرادت تنحية خلافاتنا بشأن أوكرانيا جانبا، فهم لم يرغبوا في الحديث عن أوكرانيا ولا عن حقوق الإنسان ولا عن القضايا الأخرى وركزوا فقط على الأشياء الإيجابية.

الجانب الأوروبي أوضح أن هذا التقسيم غير مقبول وغير مجد. بالنسبة لنا الحرب في أوكرانيا لحظة فارقة بين الحياة في عالم تحكمه القواعد وعالم تحكمه القوة. فهذا هو السؤال. نحن ندين العدوان الروسي على أوكرانيا وندعم سيادة وديمقراطية هذه الدولة، ليس لأننا «نتبع أمريكا بشكل أعمى»، كما تدعي الصين أحيانا، وإنما لأن هذا هو موقفنا الصريح ونحن نؤمن به». وهذه رسالة مهمة يجب أن يسمعها قادة الصين.

توسيع الهوة

مقابل هذا الموقف المتسق مع المبادئ الأوروبية، تأتي تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد لقائه بالرئيس الصيني خلال اجتماعات مجموعة العشرين في إندونيسيا في نوفمبر الماضي. قال ماكرون إنه مقتنع بقدرة الصين على القيام بـ «دور وسيط مهم» في أوكرانيا خلال الشهور المقبلة، وبعد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في تايلاند دعا ماكرون إلى الانخراط مع الصين، وحث أوروبا على تبنى مسار وسطي بين «الفيلين العملاقين» الصين والولايات المتحدة.

ويقول بروكر إن الرئيس الصيني التقى أيضا مع مارك روته رئيس وزراء هولندا وبيدرو سانشيز رئيس وزراء إسبانيا وجورجا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا على هامش قمة مجموعة العشرين. وتركز الصين جهودها على توسيع الهوة بين الولايات المتحدة وأوروبا وتأجيج التوتر بشأن مبادرات الطاقة الخضراء الأمريكية وتشديد القيود على تصدير أشباه الموصلات.

الأزمة الأسوأ

ويعتزم ماكرون زيارة الصين العام المقبل، بعد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس لها برفقة وفد كبير من رجال الأعمال والمسؤولين في الشهر الماضي.

كل هذا يتعارض مع موقف هؤلاء الذين يرون الموقف الصيني من أوكرانيا، يغير بشكل أساسي معادلة الأمن في أوروبا.

وقبل سفره إلى بكين وافقت حكومة المستشار الألماني على بيع حصة من إحدى محطات ميناء هامبورج إلى شركة كوسكو شيبنج هولدينجز الصينية المملوكة للدولة، وهو الموقف الذي وضع المستشار في أزمة مع وزراء الشؤون الخارجية والمالية والنقل والدفاع في حكومته والذين يرون أن هذه الصفقة لا تخدم الأمن القومي لألمانيا.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين نحو 700 مليار دولار. مثل هذا التشابك الاقتصادي الضخم بين الجانبين يحتم وجود المحادثات والتعاون كلما كان ذلك متاحا. ومع ذلك فإن نبرة بعض القادة الأوروبيين الذين يتحدثون عن الصين باعتبارها منافسا أيديولوجيا لكن يمكن احتواؤه عبر العلاقات التجارية والاقتصادية، تكشف عن نظرة عفا عليها الزمن بل وثبت خطؤها تماما عندما تعاملت ألمانيا مع روسيا وفق نفس المنهج طوال السنوات الماضية، حتى استيقظت أوروبا على العدوان الروسي على أوكرانيا وحرمان أوروبا من إمدادات الغاز الطبيعي لتدخل القارة في واحدة من أسوأ أزمات الطاقة في تاريخها.