الرأي

الشراكة الاستراتيجية الشاملة لعملاقي الطاقة والاقتصاد

طلال الشريف
ليس من السهل أن توقع دولتان على شراكة استراتيجية شاملة إلا إذا كان هناك تطابق في وجهات النظر حول القضايا السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وتقدير عظيم متبادل لقدرات وإمكانات كل دولة وممارساتها السياسية والاقتصادية، ومستوى تأثيرها الإقليمي والدولي، وتوقيع المملكة والصين على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة من قبل قياداتها له دلالته العميقة وتأثيره على المستوى الدولي، وهي بدون شك ليست على حساب شراكات أخرى استراتيجية مع دول صديقة كالولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الشريك الاستراتيجي التاريخي للملكة.

وزيارة الرئيس الصيني للمملكة وعقد ثلاث قمم في المملكة للتعاون والتنمية على المستوى الخليجي والعربي تشكل ثقلا على مستوى العلاقات الدولية، وتهدف إلى استمرار علاقات التعاون والتكامل وحوكمة الاقتصاد الدولي، والاستثمار المشترك في المشاريع الاقتصادية والتنموية المختلفة، وتساعد في ظهور عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن السياسات الأحادية، وهي امتداد للعلاقات التاريخية المتجذرة مع العالم العربي عموما من خلال طريق الحرير برا وبحرا، واستمرارها مع تطور الاقتصاد الصيني ووصوله لثاني أقوى اقتصاد في العالم، وتأسيس منتدى التعاون العربي الصيني سنة 2004، كإطار شامل للتعاون الجماعي، ومبادرة أصدقاء التنمية العالمية، وهي علاقات تتسم بالاحترام المتبادل والتعاون المثمر والنمو المشترك والدعم المتبادل والتوافق في وجهات النظر بشكل كبير تجاه القضايا الإقليمية والدولية.

والمملكة اليوم ليست كالأمس في كل شيء، وخاصة على المستوى الاقتصادي الذي ينمو بشكل غير مسبوق ومتوازن في مختلف القطاعات رغم كل التحديات والأزمات التي تعاني منها دول العالم، مما أشكل على اقتصاداتها وحد من مستوى نموها، والصين كذلك هي ثاني اقتصاد عالمي ينمو بوتيرة أسرع من المتوقع، وبمستوى تأثير عال جدا على الاقتصاد العالمي وبطموحات الوصول إلى أفضل اقتصاد في العالم، وكلا العملاقين له تطلعات نحو المستقبل للرقي ببلده تتسم بالوضوح والشفافية والمصداقية واستثمار قدراتهما الطبيعية والبشرية والتقنية.

الشراكة الاستراتيجية الشاملة كما أعلن عنها تضمنت بحث الفرص الاستثمارية المشتركة في قطاع البتروكيماويات، الكهرباء، والطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح والطاقة المتجددة، الاستخدامات المبتكرة للموارد الهيدروكربونية، وتوطين مكونات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي والابتكار، ومحطات تحلية المياه المالحة، وخطوط نقل المياه، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، والسدود، إمكانيات الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعات الزراعية والغذائية، وفي المجالات المتعلقة بالاتصالات والاقتصاد الرقمي والابتكار والفضاء، تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الجرائم المنظمة، وتعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مجالات الإنذار الاستخباراتي المبكر وتقييم المخاطر الأمنية، ومكافحة الجرائم المعلوماتية، وتعزيز التعاون في المجالات التعليمية، وتعميق التعاون المشترك في مبادرات الحزام والطريق، وتعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة.

وباعتبار الاقتصاد عصب السياسة فالشراكة الاستراتيجية الشاملة مع العملاق الاقتصادي الآسيوي المتعاظم ستكون لها آثار كبيرة اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، أهمها الاتفاق على دعم المصالح الجوهرية للطرفين والحفاظ على سيادة وسلامة أراضي الدولتين وترسيخ مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وستضع هذه الشراكة الاستراتيجية المملكة الشريك الاستراتيجي الأول الموثوق للصين في المنطقة، وستسهم بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل والحصول على عوائد مجزية، وستكون المملكة المركز الإقليمي للمصانع الصينية بحكم موقعها الاستراتيجي على معابر التجارة العالمية، وسينتعش سوق التوظيف السعودي بتوفر آلاف الفرص الوظيفية نتيجة لهذه الشراكة التجارية النوعية.

وبالنسبة للصين الطامحة للتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي في عام 2030، ستكسب أقوى شريك استراتيجي في المنطقة لكون المملكة قوة عالمية موثوقة ومؤثرة بمكانتها السياسية والاقتصادية ومقوماتها الأخرى الحيوية، وستضمن استمرار تدفق الطاقة على المدى الطويل وعدم التأثر بالمتغيرات السياسية والتجاذبات العالمية، وستظفر بجاذبية السوق السعودي والانتعاش الاقتصادي في المملكة بالدخول في شراكات في المشاريع الكبرى والبنية التحتية الضخمة، وخصوصا في مجال الطاقة والبناء والطرق والجسور والموانئ البحرية، وستعزز سمعة منتجاتها في منطقة الشرق الأوسط عبر ترويج فكرة التنمية عالية الجودة التي طرحها الرئيس الصيني والتي تركز على الجودة لا على الكم.

اللافت في هذه الزيارة هو الدور الكبير الذي قامت به المملكة وأجهزتها المختلفة بقيادة عراب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وما يحظى به من تأييد وقبول على المستوى العربي، في تفاعل وتعاون وانسجام في وجهات النظر مع معظم قادة الدول العربية تجاه الدور الصيني في اقتصاديات العالم، والعمل المشترك على تأسيس شراكات استراتيجية مع الصين لصالح العالم العربي في مشاريع حيوية وتنموية، ولي العهد لم يغير وجه المملكة فقط بإعادة بناء اقتصاد المملكة من خلال إعادة اكتشاف مقوماتها الوطنية الحقيقية البشرية والمادية، وإنما أسهم ويسهم في تغيير وجه المنطقة واستعادة دورها ومكانتها التاريخية ومستوى تأثيرها بمنظور شمولي لا يتردد في الإشارة إليه في كل لقاءاته الرسمية وغير الرسمية، برؤية عقلانية مؤمنة بأهمية التكامل والتعاون العربي وإيمان وإدراك بمقومات كل دولة عربية وقدراتها المختلفة.

drAlshreefTalal@