أعمال

«المالية» متفائلة بتحسن الأداء المالي والاقتصادي عن التقديرات بالميزانية

مدينة الرياض
رغم التحديات الاقتصادية والمالية العالمية إلا أن وزارة المالية متفائلة بعدة عوامل إيجابية تبرز مع هذه التحديات يمكن أن تسهم في تحسين الأداء المالي والاقتصادي عن التقديرات المعروضة لميزانية عام 2023 م وعلى المدى المتوسط.

وبحسب بيان الميزانية العامة للدولة الصادر عن وزارة المالية فإن من أبرز العوامل الإيجابية، توقعات بدء انحسار الضغوط التضخمية العالمية تبعا لتشديد السياسات النقدية وتخفيض المعروض من النقد؛ والذي بدوره قد يقلل الضغط على الزيادات المرتقبة في أسعار الفائدة الأمريكية بما ينعكس على أسعار الفائدة المحلية، ويظهر الأثر الإيجابي من ذلك على انخفاض تكلفة التمويل الحكومي وتكلفة اقتراض القطاع الخاص، ومن شأن هذا إحداث تحسن إضافي في المؤشرات المالية والاقتصادية خال العام المقبل.

ومن ضمن أهداف ميزانية 2023 رفع مستوى كفاءة الإنفاق وتعزيز دور القطاع الخاص من خلال زيادة مشاركة الصناديق في الإنفاق الرأسمالي كصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني والذي يعدون المحرك الفاعل لتنمية وتنويع الاقتصاد السعودي.

وفي حالة تقدم صندوق الاستثمارات العامة في تنفيذ المشاريع والبرامج المعززة لنمو القطاع الخاص بأكثر من المتوقع فسينعكس ذلك إيجابيا على نمو الاقتصاد غير النفطي والإيرادات الضريبية.

كذلك في حالة حدوث استجابة أسرع من القطاع الخاص للمبادرات المحفزة للاستثمار والواردة بالاستراتيجية الوطنية للاستثمار والاستراتيجية الوطنية للصناعة واستراتيجية سلاسل الإمداد، ومساهمة ذلك في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى انتعاش وازدهار كل من قطاع السياحة والترفيه، كذلك تسريع مستويات التنفيذ للمشاريع والبرامج بشكل أكثر من المتوقع؛ كل هذه العوامل تؤثر إيجابا على معدلات الاستهلاك والأنشطة الإنتاجية والخدمية الأخرى مما يسهم في نمو الناتج غير النفطي والإيرادات غير النفطية؛ ومن ثَم احتمالية إحداث تحسن إضافي في المؤشرات المالية والاقتصادية خال العام القادم وعلى المدى المتوسط.

3 أهم تحدياتومخاطر ماليةواقتصادية

حدد بيان وزارة المالية أهم التحديات والمخاطر التي قد تؤثر على تقديرات الميزانية في ضوء التطورات المحلية والعالمية المحتملة، وكذلك التقديرات في المدى المتوسط، بالإضافة إلى أهم السياسات التي تسعى الحكومة لتبنيها لمواجهة هذه المخاطر وهي على النحو الآتي:

01 معدلات نمو الاقتصاد العالمي والتضخم

يواجه الاقتصاد العالمي عددا من التحديات وسط سلسلة من الأزمات، حيث ما زالت آفاق الاقتصاد العالمي تتسم بالضبابية في ظل تزايد حالة عدم اليقين حول مستقبل التضخم، وتذبذبات أسواق الطاقة، ومدى احتمالية حدوث تصعيد أعلى في التوترات الجيوسياسية، والتي قد تزيد من حدة الآثار السلبية في إمدادات أسواق السلع الأساسية، وزيادة معدلات التضخم بأكثر من المتوقع، وتأثر قطاع الصناعة خاصة في أوروبا بسبب نقص إمدادات الغاز، مما يزيد الشكوك حول دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الاقتصادي، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة مصحوبا بمعدلات تضخم مرتفعة (ركود تضخمي).

كما أن الاقتصاد السعودي ليس بمعزل عن الصدمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، فتزايد احتمالية دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود قد يؤدي إلى تراجع كبير في الطلب العالمي وانخفاض التبادل التجاري، وتأثر المالية العامة بذلك من خلال احتمالية تراجع الإيرادات عن المتوقع في الميزانية حيث تشكل الإيرادات النفطية نسبة كبيرة من إجمالي الإيرادات التي تسهم في تمويل النفقات وبناء الاحتياطيات اللازمة لمواجهة التغير في الظروف المستقبلية.

كما أن النشاط الاقتصادي قد يتأثر في حال اتخاذ بعض الدول إجراءات احترازية للحد من انتشار كوفيد 19 فيها، أو حال ظهور مخاوف صحية جديدة، مما قد يعود تأثيره على العمليات التصنيعية، وسلاسل الإمداد ليزيد من حدة التراجع في معدلات النمو .

وقد تشكل هذه الظروف المحتملة تحديا خاصة على اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، لينعكس تأثيرها على الاقتصاد المحلي وأداء المالية العامة لميزانية عام 2023 والتوقعات على المدى المتوسط، فعلى مستوى الاقتصاد المحلي قد تكون هناك احتمالية لارتفاع معدلات التضخم المحلية بأعلى من المقدر في الميزانية، ليتأثر سلوك المستهلكين بالاتجاه للانخفاض وخاصة للأسر محدودة الدخل، مما ينعكس على معدلات الاستهلاك، وعلى نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ مؤثرا بذلك على ثقة المستثمرين وقراراتهم الاستثمارية.

أما على جانب المالية العامة فقد ينعكس أثر استمرار ارتفاع التضخم على الارتفاع في بعض أوجه النفقات الحكومية.

ونظرا لطبيعة السياسة النقدية في المملكة، ينعكس أثر احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بمعدلات غير متوقعة على ارتفاع معدلات الإقراض بين البنوك المحلية (السايبور)؛ مؤثرا بذلك على مؤشرات الاستهلاك والاستثمار والائتمان الممنوح للقطاع الخاص، أما على جانب المالية العامة، سترتفع تكاليف الاقتراض على إصدارات الدين الجديدة بالإضافة إلى الإصدارات ذات العائد المتغير التي تمت خال الأعوام السابقة رغم محدوديتها، مما قد يؤثر على بعض خطط تمويل المشاريع الاستراتيجية على المدى المتوسط.

ولمواجهة ذلك يتم العمل على الاستمرار في تعزيز السيولة في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى خفض الاحتياجات التمويلية للميزانية نتيجة توقع تحقيق فوائض على المدى المتوسط، مما يتيح للقطاع الخاص مساحة تمويلية أكبر، كما أن البنك المركزي السعودي لديه عدد من أدوات السياسة النقدية التي من شأنها الحد من تلك الآثار السلبية.

وتقوم المملكة بمواجهة التطورات المحتملة في الاقتصاد العالمي من خلال استمرار متابعة دورها في المحافظة على استقرار أسواق الطاقة، وإطلاق المبادرات التنموية كإطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية والتي تستهدف التخفيف من تداعيات التطورات المحتملة على سلاسل الإمداد، لتكون المملكة مركزا رئيسيا وحلقة وصل في استدامة سلاسل الإمداد عالميا، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات الاستباقية لمواجهة التضخم وتعزيز الأمن الغذائي محليا، كل ذلك في إطار سعي المملكة للإسهام في تعزيز استقرار ونمو الاقتصاد العالمي والمحلي.

02 تقلبات أسواق البترول

شهدت أسواق البترول بداية عام 2022 م تطورات إيجابية مدفوعة بارتفاع الطلب العالمي بسبب انتعاش الأسواق العالمية وتوقع تحسن الاقتصاد العالمي مصحوبا بزيادة حركة النقل والسفر وتخفيف القيود المتصلة بالجائحة، حيث أدت هذه التطورات إلى تعافي أسواق البترول، والتي انعكس أثرها إيجابيا على أداء الإيرادات النفطية، فيما كان لارتفاع نمو مستويات الإنتاج خال كامل العام انعكاسا إيجابيا على توقعات الناتج المحلي الحقيقي مدفوعا بنمو الناتج المحلي للأنشطة النفطية.

ومع بداية شهر أكتوبر 2022 م أقرت أوبك+ خلال اجتماعها الوزاري الثالث والثلاثين، تخفيض الإنتاج من مستويات الإنتاج لشهر أكتوبر 2022 م بمقدار 2 مليون برميل/ يوميا بدءا من شهر نوفمبر 2022 م، وذلك بهدف تحقيق التوازن والاستقرار في أسواق البترول كإجراء احترازي في ظل توقعات تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم العالمية وتأثير ذلك على الطلب على البترول.

وتسعى المملكة من خلال سياستها البترولية وجهودها المبذولة في دعم اتفاقية أوبك+ لدعم استقرار الأسواق وتحقيق التوازن بين الطلب والعرض لمواجهة أي مخاطر محتملة على مصالح المشاركين في السوق والصناعة البترولية ومصالح المستهلكين.

كما يسهم تبني الحكومة لقواعد الاستدامة المالية خال المدى المتوسط والطويل في عملية التحول في آلية احتساب الإيرادات النفطية في عملية التخطيط المالي للدولة من التوقعات المستقبلية لسعر البترول إلى الإيرادات الهيكلية النفطية من خلال الاعتماد على سعر نفط معياري تاريخي بهدف بناء أسقف إنفاق أكثر استقرارا وكذلك الحد من الإنفاق المساير لتذبذبات أسعار البترول، وربط الإنفاق بالإيرادات الهيكلية، ووضع ضوابط كمية للنمو في أسقف الإنفاق.

03 نمو الاقتصاد المحلي غير النفطي

يتأثر الاقتصاد المحلي بالآفاق الاقتصادية والأزمات المالية العالمية التي قد يترتب عليها تراجعات في نمو الأنشطة غير النفطية والتي قد تنعكس سلبا على الخطط الاستثمارية وتنمية القطاع الخاص وذلك من خال احتمالية عرقلة أو تباطؤ تنفيذ بعض المشاريع والبرامج المخطط لها والتي تدعم نمو النشاط الاقتصادي، إما نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل، أو الارتفاع في مستويات الأسعار والذي قد يسهم أيضا في تراجع الدخل المتاح للفرد مؤثرا بذلك على قرارات الادخار والإنفاق، مما يؤدي إلى تراجع الاستهلاك الخاص، أو احتمالية انخفاض الموارد المتاحة بسبب تراجع النشاط الاقتصادي العالمي واضطرابات سلاسل الإمداد وانخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المستوى الدولي، وانعكاس ذلك على خطط نمو الاستثمارات المحلية.

إلّا أن درجة تأثير هذه التطورات من المتوقع أن تكون محدودة على الاقتصاد السعودي؛ الذي أثبت صلابته في مواجهة الأزمات العالمية خال الفترات الماضية، مثل مواجهة أزمة ارتفاع الأسعار عالميًا التي شكلت ضغوطا تضخمية على الاقتصاد المحلي، بجانب إطلاق مجموعة من التدابير بشكل استباقي لمواجهة أثر التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم، كتعزيز الأمن الغذائي مع استمرارية تقديم الخدمات الرئيسة بالمستوى المطلوب للمواطنين والمقيمين والدعم المستمر للسلع والخدمات الأساسية؛ الأمر الذي أسهم في استمرار انتعاش مؤشرات الطلب والاستهلاك المحلي منذ بداية العام حتى الآن.

كما أن المملكة تسعى إلى المضي قدما في إصلاحاتها الرامية إلى تعزيز التنويع الاقتصادي، والاستفادة من الفرص المتاحة للتعجيل بتنفيذ بعض البرامج والمشاريع التي سيكون لها أثر اقتصادي واجتماعي مرتفع، بالإضافة إلى أن الخبرات السابقة التي اكتسبتها الحكومة خلال الأعوام الماضية جعلتها قادرة على مواجهة التحديات بالشكل المطلوب والتحكم في سرعة تنفيذ المشاريع دون التأثير على مستهدفاتها المالية، مما يعكس مدى مرونة الحكومة بالتعامل مع أبعاد الأزمة الحالية.