أعمال

نمو الاقتصاد السعودي في 2022 الأعلى منذ 10 أعوام بفضل التدابير الحكومية ومبادرات الرؤية

على الرغم من المخاوف والأزمات التي يشهدها العالم والتحديات المصاحبة لها وتأثيرها على تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة تزايد الضغوط التضخمية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية، والتي ألقت بظلالها سلبا على سلاسل الإمداد العالمية، إلا أن قوة ومتانة الاقتصاد السعودي مكنت المملكة من مواجهة هذه الأزمات، حيث كان التراجع في معدلات النمو أثناء الجائحة محدودا مقارنة بدول العالم خلال عام 2020.

أعقب ذلك تسجيل معدل نمو إيجابي بلغ 3.2 % خلال العام 2021، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال النصف الأول من 2022 هي الأعلى منذ ما يزيد عن 10 أعوام، مع توقع الاستمرار في تحقيق معدلات نمو إيجابية في مختلف الأنشطة الاقتصادية وذلك بفضل التدابير التي اتخذتها الحكومة من دعم وتعزيز النشاط الاقتصادي، وتخفيف الأعباء المعيشية من خلال سياسات وإجراءات لاحتواء معدلات التضخم العالمية كتحديد سقف لأسعار البنزين بالإضافة إلى ضمان وفرة المنتجات الغذائية في الأسواق المحلية التي أسهمت في خلق نوع من اليقين والطمأنينة لدى المواطنين، وزيادة الاعتمادات لبرامج الحماية الاجتماعية، مع المواصلة في الوقت نفسه في تنفيذ خطط ومبادرات تحقيق رؤية المملكة 2030.

وبالنظر إلى كامل عام 2022، سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بنسبة 8.0 % في عام 2022، مدعوما بنمو كل من الناتج المحلي للأنشطة النفطية وكذلك الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، الذي يحقق نموا بمعدل 5.9 % في ظل الأداء الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية.

ويقود هذا النمو نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق مدفوعا بقرار رفع الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالجائحة وزيادة الطاقة الاستيعابية للأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك موسم الحج والعمرة ومواسم السعودية، التي انعكست إيجابا على معدلات الاستهلاك الخاص خصوصا بعد زيادة معدلات الحجاج والمعتمرين.

وفي ضوء ذلك، من المتوقع استمرار محافظة المملكة على معدلات إيجابية مرتفعة للنمو الاقتصادي خلال 2023 وعلى المدى المتوسط، من خلال عاملين رئيسيين للنمو الاقتصادي هما الاستثمار والاستهلاك، وذلك انعكاسًا للجهود القائمة في العديد من الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية ضمن رؤية المملكة.

وأظهرت مراجعة تقديرات معدلات النمو الاقتصادي في المملكة لعام 2023 والمدى المتوسط، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.1 %، مدعوما بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية مع استمرار قيادة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، والمساهمة في زيادة خلق الوظائف في سوق العمل، بالإضافة إلى استمرار تحسن الميزان التجاري للمملكة، والاستمرار في تنفيذ برامج رؤية المملكة 2030 ، وتحقيق الأنشطة الاقتصادية لمعدلات نمو إيجابية خلال العام 2023 وعلى المدى المتوسط.

نمو نشاط الصناعات

ويتوقع نمو نشاط الصناعات التحويلية مدفوعا بالنمو في عدد المصانع التي بدأت في الإنتاج (منذ بداية العام حتى يونيو 2022) بحوالي 721 مصنعا بإجمالي استثمارات بلغت 19.1 مليار ريال حسب بيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية؛ مما أسهم في نمو الصادرات السلعية غير النفطية حتى الربع الثاني من عام 2022 بنسبة 43 % مقارنة بعام 2021.

وحقق الاستثمار الخاص، خلال النصف الأول من عام 2022 نموا على أساس سنوي بنسبة 21.9 % فيما حقق الاستثمار الأجنبي المباشر نموا على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2022 بمعدل 9.5 %، وبلغ عدد الصفقات الاستثمارية المنجزة خلال النصف الأول من عام 2022 م 150 صفقة مما سينعكس إيجابيا على الاقتصاد المحلي.

معدل تضخم مقبول

وتشير الأرقام الأولية إلى تسجيل الرقم القياسي لأسعار المستهلك معدل التضخم ارتفاعا بحوالي 2.6 % لكامل العام 2022، مما يعكس بقاء معدلات التضخم في المملكة عند مستويات مقبولة مقارنة بالأوضاع العالمية، ويعود ذلك إلى التدابير الاستباقية التي اتخذتها الحكومة لاحتواء الارتفاع في الأسعار ووفرة المخزون الغذائي، بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم العالمية والتي تعزى إلى عودة الأعمال إلى طبيعتها بعد انحسار آثار جائحة (كوفيد 19)، وما ترتب عليها من الزيادة المطردة في وتيرة الطلب نتيجة للتوسع في السياسات المالية لبعض الدول، مقابل التحديات التي يواجها جانب العرض مدفوعة بالتأثر في سلاسل الإمداد العالمية تزامنا مع الأوضاع الجيوسياسية التي شهدها العالم في مطلع العام الحالي، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات اللوجستية عالميا.

انخفاض معدل البطالة

وكان لتحسن الأداء الاقتصادي الدور الكبير في تراجع معدل البطالة للسعوديين خلال الربع الثاني من 2022 ، حيث بلغ 9.7% مقارنة بـ 11.0 % في نهاية عام 2021، وتعد هذه النسبة الأقل خلال الأعوام العشر الماضية، والتي كانت نتيجة للعديد من المبادرات مثل مبادرات التوطين، ومبادرة تمكين المرأة التي نتج عنها ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل لتصل إلى نسبة 35.6 % خلال الربع الثاني من العام الحالي، متجاوزة بذلك مستهدف الرؤية لعام 2030 عند مستوى 30 %، ومقابل ما كانت عليه نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بداية رؤية المملكة عند 19.3 % في عام 2016، بالإضافة إلى مساهمات صندوق الاستثمارات العامة في استحداث قطاعات جديدة وواعدة، والذي بدوره انعكس إيجابا على معدلات التوظيف من خلال زيادة فرص التوظيف المباشر وغير المباشر في هذه القطاعات.

دعم التنوع الاقتصادي

وتعتبر تنمية وتنويع الاقتصاد من أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 ، حيث تسعى جميع القطاعات الحكومية وبالتكامل مع القطاع الخاص لتحقيق متطلبات هذا المستهدف، ويعتبر صندوق الاستثمارات العامة أحد ركائز التنوع الاقتصادي في المملكة، والذي يستهدف بشكل مستمر الاستثمار في عدة مجالات وقطاعات واعدة.

كما أطلقت استراتيجية «صندوق التنمية الوطني» التي تستهدف أن يكون الصندوق داعم للتنمية المستدامة للقطاعات الاقتصادية من خلال توفير التمويل للصناديق والبنوك التنموية على المدى الطويل، وأن يكون الصندوق منصة تمويلية تسهم في تنويع الاقتصاد وتطويره، ورفع مساهمة القطاع الخاص في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة.

تحقيق قيمة مضافة

ويتوقع أن يسهم برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية «ندلب» وتنفيذ مبادرات «الاستراتيجية الوطنية للنقل» في تحقيق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد، إضافة إلى الدور المهم لاستراتيجية الاستثمار التي تعزز إسهامات مختلف المستثمرين في منظومة الاستثمار.

وكذلك نظام الاستثمار الجديد الذي سيكون محفز أساسي في بيئة الاستثمار في المملكة العربية السعودية، حيث يتيح النظام المساواة فيما بين المستثمر السعودي وغير السعودي، وتوحيد إجراءات إصدار التصاريح. إضافة إلى الجهود المستمرة في تنفيذ المشاريع الكبرى والمبادرات المعلنة مثل إنشاء الهيئة السعودية لتسويق الاستثمار والتي تهدف إلى تشجيع الاستثمار في السعودية وإبراز الأنشطة الاستثمارية في كافة القطاعات.

ومبادرة «السعودية الخضراء» التي تمثل توّجه المملكة نحو مكافحة التغير المناخي والتي ستوفر فرصا استثمارية ضخمة للقطاع الخاص، إضافة إلى مبادرة «الاستثمار الجريء» التي تعدّ ضمن برنامج تطوير القطاع المالي والتي تستهدف دعم الاستثمارات في الشركات الناشئة القابلة للنمو السريع.

زيادة إنتاج المملكة

وفيما يتعلق بإمدادات النفط العالمية فقد ارتفع متوسط إنتاج المملكة منذ بداية العام 2022 حتى نهاية أغسطس بنسبة 20% ليصل إلى حوالي 10.5 ملايين برميل يوميا، وبارتفاع مقداره 1.8 مليون برميل يوميا مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ويعزى ذلك الارتفاع إلى الجهود المبذولة التي قدمتها اتفاقية أوبك+ لدعم استقرار الأسواق وكفاءة أدائها لمصلحة المشاركين في السوق والصناعة البترولية.

وارتفع متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية العام 2022 وحتى نهاية شهر أغسطس من نفس العام بنسبة 55% ليسجل حوالي 104.04 دولارات للبرميل مقابل 67.06 دولارا للبرميل خلال نفس الفترة من العام السابق.

كما سجلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت خلال العام 2022 أعلى مستوياتها منذ يوليو 2008، ليصل سعر الإغلاق إلى 127.98 دولار للبرميل في 8 مارس 2022.

وبالرغم من حالة عدم اليقين التي مرت بها الأسواق العالمية خلال العام في ظل الأحداث الجيوسياسية والمخاوف الاقتصادية وتشديد السياسات النقدية لكبح جماح التضخم حول العالم، فقد اتسم سوق البترول بالاستقرار مقارنة بأسواق الطاقة الأخرى كالغاز الطبيعي والفحم والكهرباء، حيث أسهم اتفاق أوبك+ في دعم استقرار أسواق البترول بشكل خاص، وموازنة العرض مع التعافي المتدرج للطلب العالمي على البترول بعد انحسار جائحة كورونا.

نمو الطلب العالمي

وبحسب التقرير الشهري لأسواق البترول الصادر عن منظمة أوبك في أغسطس 2022، من المتوقع أن يسجل الطلب العالمي على البترول لعام 2022 نموًا بنحو 3.1 ملايين برميل يوميا مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 100.03 مليون برميل يوميا.

ومن المتوقع نمو الطلب العالمي على البترول لعام 2023 م بنحو 2.7 مليون برميل يوميا ليصل إلى 102.72 مليون برميل يوميا.

والجدير بالذكر أن حصة الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Non-OECD ) تشكل النسبة الأكبر من النمو لعام 2023، بما يعادل 2.1 مليون برميل يوميا، ويعزو التقرير ذلك الارتفاع إلى التعافي الاقتصادي في تلك الدول وارتفاع الطلب على الوقود في قطاع النقل والصناعة والبتروكيماويات.

تباطؤ الاقتصاد العالمي

وعلى صعيد الاقتصاد العالمي، شهد عام 2022 العديد من التطورات التي أثرت على نمو الاقتصاد العالمي من تبعات الجائحة، إذ يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال العام نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي للدول المتقدمة والدول الصاعدة والنامية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين؛ ويعود ذلك بشكل رئيس إلى التداعيات الجيوسياسية والتي انعكست بشكل خاص على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، مما أسهم في دفع معدلات التضخم للارتفاع بشكل كبير لدى العديد من دول العالم؛ كما صاحب ذلك تشديد للسياسة النقدية من قبل البنوك المركزية مما حد من وتيرة نمو الاقتصاد العالمي؛ الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يوليو 2022 إلى تخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لتصل النسبة إلى 3.2 % في عام 2022 ، و 2.9 % في عام 2023 ، وذلك بانخفاض عن تقديراته السابقة في شهر أبريل من العام 2022 بمقدار 0.4 و 0.7 نقطة مئوية لعامي 2022 و 2023 على التوالي، كما خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي

في اقتصادات الدول المتقدمة بنحو 0.8 و 1.0 نقطة مئوية عند 2.5 % و 1.4 % لعامي 2022 م و 2023 م على التوالي.

في حين تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي ليصل إلى 8.3 % لعام 2022 م، كما يتوقع أن يصل معدل التضخم نحو 6.6 % في اقتصادات الدول المتقدمة و 9.5 % في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لعام 2022 .

وأشار البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد العالمي الصادر في يونيو 2022 إلى أن الجائحة ستستمر على الأرجح في الحد من الأنشطة الاقتصادية في المدى القريب، إضافة إلى التباطؤ الملحوظ في الاقتصادات المتقدمة ومنها الولايات المتحدة والأسواق الصاعدة كالصين، والتي ستؤثر على الطلب الخارجي في اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية.

كما أشار إلى أن استمرار تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات التضخم، وانعكاس التحديات الجيوسياسية على أسواق الطاقة ستؤدي إلى المزيد من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، مع توصيته بضرورة الاستجابة القوية والفعّالة على صعيد سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية على المستويين العالمي والمحلي.